"الهجيني" الحوراني بنكهة "الأسمرانيّة" سهير صالح 

7 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

سهير صالح ممثلة شابة شاركت في أعمال درامية، أهمها: "غفوة القلوب" و"مع وقف التنفيذ"، إضافةً إلى مسلسل "النسيان" من نمط الـ"بان آراب" (Pan-Arab) في بيروت. ولديها في السينما فيلم "سارة"، حصلت بفضله على تنويه خاص بوصفها أفضل ممثلة من لجنة مهرجان الإسكندرية، وفيلم "تحت سماء دمشق" للثلاثي طلال ديركي وهبة خالد وعلي وجيه، الذي عُرض في مهرجان برلين، وحصل على جوائز عديدة، ورُشّح للقائمة الطويلة لجائزة الأوسكار.

موسيقياً، لها أغنيات خاصة مثل: "أسمرانية"، "سبع آهات يا شام"، و"كافي"... ولا تزال تتلمّس طريقها، وتحلم بأن تقود مشروعاً فنياً يخصّ السوريين جميعاً، لتتحدث عنهم إلى العالم.

تتحدث الممثلة الشابة سهير صالح لـ"العربي الجديد" عن بدايات شغفها طفلةً تستكشف ما حولها، فتقول: "كنتُ في عرسٍ بمنطقة حوران، وشاهدت نساءً يُغنين ويبكين، سألت والدتي: ما الذي يحدث؟ فأجابت: إن هذا يُسمّى هجيني الوداع، وهناك هجيني الفرح...". وهكذا بدأت تبحث لتفهم أكثر، لكنّ المراجع المتعلقة بالخريطة الموسيقية السورية وتنويعاتها الهائلة قليلة جداً، وتعتقد صالح أن قلة المراجع سببها أن النظام السياسي السابق كان يُهمّش الجنوب السوري، ويكتم صوت الجمال المخزون فيه عن الوصول إلى باقي السوريين، الذين قد لا يعرفون عن بعضهم سوى "معلومات سلبية ومشوّهة".

لهذا السبب، شعرت الفنانة الشابة أن من واجبها إيصال تلك التفاصيل والمنمنمات المتعلقة باللباس والطعام والغناء إلى الناس. وقد حصلت على منحة من مؤسسة "اتجاهات – ثقافة مستقلة" لتتبع معنى وطريقة غناء "الهجيني" الحوراني (التسمية مشتقة من كلمة "الهِجِن/الجِمال" وطريقة مشيها في البادية). وكانت مخرجات منحتها أغنيتين ومادة مصوّرة تشرح معنى هذا النمط الغنائي.

تواصل سهير صالح حكايتها مشيرة إلى أن كون والدها من قرية تابعة لمدينة جبلة على الساحل السوري ووالدتها من قرية في حوران وضعها منذ البداية في موقع وسط بين كل شيء. وتضيف: "الوسط منطقة صعبة... وسط باللهجة، وسط بالعادات، وسط بالانتماء. لكنني توازنتُ بمساعدة أمي، وبدأت أفهم معنى الوسط بوصفه تنوعاً اجتماعياً، لا أمراً ضاغطاً وسلبياً. ثم تحوّل هذا التمازج لاحقاً إلى ميزة إيجابية جعلتني أتفهم الآخرين وأحبهم، لأننا كلما استطعنا أن نحب؛ سنحب دائماً".

الحزن العميق على حال السوريين جميعاً هو النبع الذي تسرّبت ماؤه في أغانيها. ولهذا لم تكن متأكدة دوماً من لحظات السعادة التي تشعر بها عند تفاعل الناس مع ما تغنيه، ولكن "ما يعنيني هو صدق اللحظة التي جعلتني أغني بالشكل العفوي المخزون في ذاكرتي من أيام طفولتي (مواليد 1993)، المنتبهة لتفاصيل كثيرة، مثل لباس ولهجات أهلي المتنوعة". مؤكدة أن أكثر ما يريحها هو مشاركة المحبّين لما تغنيه وما تنشره على صفحتها في "فيسبوك" أو قناتها على "يوتيوب"، رغم شكله الأقرب للأداء منه إلى الغناء الاحترافي.

بعض ما تغنيه صالح ليس تراثاً، بل هو مكتوب خصيصاً لها، لكنه يستفيد من موضوع تراثي معين، مثل مقطوعة "ع القوزلّة يا حنّا"، فهي من كلمات حيدر خليل وتلحينها. لكنها أدتها بلهجة معيّنة، فاعتقد البعض أنها فولكلور قديم.

وعن أثر دراستها التمثيل في إنضاج أدائها الأغنيات المستلهمة من روح التراث السوري، تقول: "جعلتني الدراما أفهم أكثر معاني الكلمات في الغناء الشعبي، وأتأثر عاطفياً بالحسيّة العالية المتضمّنة فيه. الغناء خُلق معي بالطبيعة، في الجينات، لأن أهل والدي جميعهم يمتلكون أصواتاً جميلة، وأهل والدتي كذلك لديهم بفطرتهم مخزون غنائي مميز، من لون الصوت إلى طريقة تقديمه بطلاقة وعفوية في جلساتهم وسهراتهم وعزائهم".

وترى سهير صالح أن ما تفعله سيصل، لأن هدفها هو أن يفهم الناس ثقافات وتقاليد بعضهم البعض. ففي فترة ما، صارت التكتلات والكراهية هي السائدة. وعندما بدأت الغناء باللهجة الحورانية، صار الناس في الساحل وفي محافظات سورية مختلفة يسألونها عن "معانيها، ومتى تُغنّى، وكيف حفظتها".

وتكمل سردها قائلة: "والعكس أيضاً... عندما يسمعون تلك الأغاني الساحلية يعشقونها، ويسألونني عن تفاصيلها وحكاياتها. كل الناس الذين التقيتهم لتوثيق مشروعي، أو الذين أجالسهم ويعرفون ما أقوم به، يتمنّون ألّا يضيع تراثهم أو يُهمَل. وكانوا يقولون لي: البسوا لباسنا، وثّقوا حكاياتنا، وغنّوا أغانينا... وهذه هي فكرتي عن تقريب السوريين بعضهم من بعض. فالجهل بالآخرين يورّثنا العداوة والكراهية، في حين أن التعرّف على عاداتهم وتقاليدهم هو ما سيجعلهم يفهمون اختلافاتهم، ويقرّبهم خطوةً إضافية نحو المحبة المتبادلة".

 

Read Entire Article