المغرب.. كتاب يذهب ضحية عنوانه

3 weeks ago 11
ARTICLE AD BOX

في واقعة تعيد تسليط الضوء على جدلية حرية النشر وحدود الرقابة في المغرب، كشفت الكاتبة نعيمة فنو عن رفض المصالح المختصة منح روايتها الجديدة "غوانتيندوف" رقم الإيداع القانوني، رغم استيفائها جميع الشروط الإجرائية.

فنو أوضحت أن دار النشر "أفريقيا الشرق"، تقدّمت بالطلب وفق المساطر القانونية المعمول بها، إلا أن الرفض غير المبرّر حوّل هذا الإجراء الإداري الروتيني إلى ما يشبه قرار منع غير معلن، يثير تساؤلات بشأن واقع حرية التعبير في المشهد الثقافي المغربي.

مدير الدار، كميل حب الله، عبّر في تصريح لـ"العربي الجديد" عن استغرابه من امتناع المكتبة الوطنية عن منح الرقم، مشدداً على أن "منع الرواية غير مبرر، فالمكتبة الوطنية معنية بحفظ وتوثيق الأعمال، لا بممارسة الرقابة عليها". وأضاف أن غياب توضيح رسمي لهذا القرار يعكس اختلالاً واضحاً في آليات تدبير الشأن الثقافي، ويؤكد استمرار تدخل اعتبارات غير موضوعية في هذا المجال.

الرواية، بحسب مؤلفتها، هي شهادة إنسانية تعيد إحياء أصوات الأسرى المغاربة الذين قضوا سنوات من المعاناة في معتقلات "تيندوف". ورغم أن العمل لا يتضمّن إساءة صريحة، إلا أن عنوانه المركب "غوانتيندوف" – في إشارة رمزية إلى معتقلي "غوانتنامو" و"تيندوف" – يبدو أنه أثار حذراً مسبقاً، أدى إلى ما يمكن وصفه بـ"المنع المؤسسي غير المعلن". وهو شكل من أشكال الرقابة المبطنة التي لا تُفصح عن نفسها بقرارات رسمية، بل تعتمد منطق التجاهل والإرجاء.

تعبيراً عن رفضها لهذا الإقصاء، نظّمت فنو وقفة احتجاجية رمزية أمام جناح المكتبة الوطنية خلال المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، حيث كان يفترض أن توقع روايتها لو رُخّص نشرها. لكن هذه الوقفة مرّت في صمت، دون تفاعل يُذكر، لتبقى الكاتبة في مواجهة فردية مع مؤسسة تتعامل مع صوت الكاتب بأسلوب بيروقراطي تغلب عليه المماطلة والتجاهل.

وإن كان مفهوماً – ولو على مضض – أن تُسحب كتب من معارض أو يُقيد توزيعها في سياقات ظرفية تُمليها اعتبارات أمنية أو سياسية، فإن ما يصعب تبريره هو كبح العمل الأدبي من أساسه، ومنعه من ولوج حيز النشر القانوني.

ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في علاقة النشر بالمؤسسات الإدارية، لكنها تكشف مفارقة لافتة: فالرواية، وإن حملت بعداً سياسياً، لا تتعارض مع الثوابت الوطنية، ولم تطعن في سيادة الدولة أو تكشف عن فضائح للنخب، بل جاءت لتُعزّز الذاكرة الجماعية من زاوية فنية وإنسانية. ومع ذلك، لم يشفع لها ذلك.

ما يجري مع "غوانتيندوف" يبدو تجسيداً لنمط جديد من الرقابة الصامتة، رقابة لا تُعلن عن نفسها، بل تكتفي بالتأجيل والتجاهل، فتعطل النشر وتمنع الوصول إلى القارئ. إنها رقابة استباقية، تحكم على العمل من عنوانه لا من مضمونه، ومن إيحاءاته لا من محتواه.

وفي ظل تكرار هذا النوع من الممارسات، ستظل محاولات النشر في المغرب محكومة بشبح رقابة عمياء، تُطارد خيال الكاتب عند اختيار عنوان أو تصميم غلاف، بما يتعارض مع حرية التعبير الإبداعي، ويشوّش صورة بلد يستعد العام المقبل للاحتفاء بعاصمته الإدارية كـ"عاصمة عالمية للكتاب".

Read Entire Article