المعلمون العرب والمقارنة المجحفة

23 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

لا تمكن مقارنة أوضاع المعلمين العرب مع ما هي عليه أوضاع أقرانهم في الدول الغربية المتقدمة. وهو ما يرتبط أصلاً بمسألة بالغة الأهمية تتمثل بشروط الدخول إلى مهنة التعليم، التي هي في سياسات هذه الدول حصرية، مثلها مثل سواها من المهن التي تشترط لمزاولتها الحصول على شهادة اختصاص والخضوع لامتحان ملاءة. والمعنى هنا أنه يجب أن يدخل إليها كل من حصل على تعليم عال متخصص في كليات التربية الجامعية فقط. وبموجب الدراسة والتخرج والتأهيل، يستطيع المعلم/ة ممارسة التعليم مدة محددة بعدة سنوات، ويجب أن يحصل بعدها المعلم على إذن جديد بمزاولة المهنة، ما يتطلب منه الحفاظ على مستواه العلمي والتعليمي خلال هذه السنوات من خلال الندوات والدورات والمؤتمرات التي يحضرها، وتتناول ميدان اختصاصه العلمي، حيث يحصل جرّاء مشاركته وما تحصّل عليه من معارف على نقاط تمكنه من الاستمرار بمزاولة عمله متى آن أوان تجديد رخصته.
في الدول العربية مثلاً، قرر وزراء التربية والتعليم العرب، ومنذ أكثر من عقدين، أن يدخل إلى ميدان التعليم الخريجون الجامعيون من كليات التربية فقط، لكن ما يحدث هو أن الاتكال في تغطية حاجات القطاع لا يزال يعتمد على المتعاقدين، الذين وإن كانوا على الأعم يحملون إجازات جامعية، إلا أنهم لا يملكون شهادات الاختصاص في التدريس وطرائقه وآلياته من كليات التربية. وهو ما ينطبق على كل من العاملين في قطاعي التعليم الخاص والعام. أما السبب فلا يعود فقط إلى نقص أعداد الخريجين، بل إلى غياب التخطيط الذي يستطيع أن يتوقع الحاجات السنوية. ويعمل على تأمينها من طلاب الجامعات الرسمية والخاصة، أو طمعاً في دفع أجور متدنية لغير المؤهلين خلافاً لمن يحملون كفاءات علمية مهنية مطلوبة تتنافس عليها المؤسسات في سوق العمل. كل هذا ولم نتحدث بعد عن اعتبار الطبقة السياسية الحاكمة القطاع التعليمي بمثابة مجال مفتوح لامتصاص الطبقة المتعلمة الفائضة عن قدرة القطاعات على استيعابها، فتجد العملية التعليمية مسرباً لحل قضية بطالة هذه الفئة، بما يقود إلى إرضاء جمهورها من الناخبين خصوصاً في بعض الدول. واللافت أن التعاقد هنا الذي يهدف إلى شراء الولاء السياسي قد لا تحتاجه المدارس، لكن المهم هو تسجيل ساعات تعاقد للمحازبين والموالين لضمان تبعيتهم.

التخصص والتعليم المستمر يعني أن على المعلم أن يتفرغ لواجبه الصفي والمهني والعلمي بإشراف الإدارة المدرسية. الصفي مع طلابه ومتابعته كلاً منهم فرداً فرداً من خلال ما يسجله في دفاتر التقويم التي يدونها حول أدائهم اليومي والأسبوعي والشهري ويعمل على دعمهم عند الحاجة. أما الواجب المهني، فيتعلق بالمادة التي تخصص في تدريسها، وبما يتطلب متابعة ما يمكن أن يطرأ على العلم من إضافات. من المعلوم أن المعارف تتطور على نحو بات من الصعب اللحاق به، لذلك يتوجب على المعلم تطوير معارفه وتقديم أحدث ما يستجد من معطيات لطلابه وتلاميذه مما تنشره الدراسات والأبحاث في المجلات العلمية المتخصصة. هذا مع العلم أن المناهج التعليمية في هذه الدول عرضة للتطور والتحديث باستمرار، خلاف ما هو عليه الوضع في بلادنا من جمود يجعل من المواد المقررة متأخرة عن المستجدات عقوداً وليس سنوات قليلة فقط، خصوصاً أن عملية التطوير عندنا تتعرض دوماً لملابسات وإشكالات سياسية واقتصادية وثقافية لا علاج لها، هذا إذا لم نتحدث عن غياب الموارد البشرية والمادية اللازمة لمثل هذه الأوضاع.
(باحث وأكاديمي)

Read Entire Article