ARTICLE AD BOX
يتساءل المخرج المسرحي حليم زدّام بنبرة ساخرة "ما معنى أن المسرحيّين الجزائريّين، خلال العشرية السوداء، استطاعوا أن يلتقوا على مواجهة خطاب الموت، حتى إنهم قدّموا شهداء، لكنهم فشلوا، بعدها، في أن يلتقوا على إطار يجمعهم؟ أخشى أن يُقال إنّ مربي الدواجن أفضل منّا، لأنهم نجحوا في تأسيس نقابة تمثّلهم وتدافع عنهم، بينما فشلنا نحن المسرحيّين في ذلك".
في السياق ذاته، يقول الممثل بوحجر بن الطيّب لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك مئات التعاونيّات والجمعيّات التي باتت تستقطب مئات الفنانين، في مختلف عناصر المسرح، من كتّاب نصوص ومخرجين وممثّلين وسينوغرافيّين وموسيقيّين ومصمّمي ملابس وتقنيّين. وبعض تلك الجمعيات تشرف على مهرجانات في مختلف مجالات المسرح، وتساهم في تكوين الجيل الجديد مسرحيّاً. بل إنّ كثيراً منها بات يحصد جوائز وازنة خارج الجزائر، إذ لا يكاد يخلو مهرجان عربي أو غربي من فرقة مسرحية جزائرية مشاركة.
ضرورة وجود نقابة تضمن الحقوق وتواكب الحراك المسرحي
هنا، يتساءل بن الطيب "أمام هذه الثّراءات المسرحية المختلفة، لماذا لا نملك نقابة حقيقية، تفرض المعايير الفنية، وتضمن الحقوق المهنية، وتواكب الحركة المسرحية بكلّ وجوهها وجهاتها واتّجاهاتها؟".
بالفعل، إذا اعتمدنا على الرواية التي تعتبر زيارة الفرقة المسرحية المصرية بقيادة جورج أبيض إلى الجزائر عام 1923، والتي شهدت تقديم عروض في عدد من المدن، بمثابة الشرارة الأولى التي حفّزت تبلور حركة مسرحية محلية، فإنّنا أمام قرنٍ كامل من الممارسة المسرحية في البلاد. ومع ذلك، يبقى الغياب اللافت لإطار نقابي يُوحّد العاملين في هذا المشهد، الذي وُلد من رحم المقاومة الوطنية، موضعَ استغراب وتساؤل مشروع.
المصلحة والمبدأ
نقلنا هذا الهاجس إلى المخرج ومحافظ "المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء" عقباوي الشيخ، فذكّر بالمرّات التي بادرت فيها وجوه مسرحية بتأسيس نقابة، كانت أقواها عام 2017، وآلت كلّها إلى الذبول، بسبب أنّ قطاعاً واسعاً من المسرحيّين موظّفون في المسارح الحكومية، "فهم يتقاضون أجوراً ثابتة، ويحظون بامتيازات مثل التأمين والتقاعد والعطل السنوية ومختلف المنح التي يقرّها الوظيف العمومي؛ أي أنهم يتمتعون بمعظم ما ستطالب به النقابة في حال تأسيسها، لذا فإنّ معظمهم يتعاملون مع الأمر ببرودة واستخفاف، بينما يقتضي العمل النقابي تكاملاً بين كلّ الفاعلين".
ويضيف مخرج عرض "أزيز"، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "ثمّة تحوّل نفسي وفكري في المشهد الفني والأدبي والثقافي، يتمثل في أنّ الشغف لدى قطاع واسع من الجيل الجديد لم يعد متعلّقاً بخدمة الصالح العام، بل بخدمة المجد الشخصي؛ بالتالي فإنّه يكفي ألا يجد الواحد نفسه ضمن النواة المؤسسة أو الهيئة المسيّرة حتى يصبح عامل تشويش. لقد عملت مواقع التواصل الاجتماعي على تكريس هذه النزعة".
لم يعد شغف المسرح متعلّقاً بالصالح العام، بل بالمجد الشخصي
لا يجد المسرحي ماسينيسا قبايلي حرجاً في القول إنّ نسبة كبيرة من المحسوبين على المسرح اليوم دخلوا المشهد المسرحي خارج المعايير الفنية، في ظلّ الفراغات المختلفة، "فكيف يرضون بنقابة ستطبّق عليهم شروطاً لا يتوفّرون عليها، ليجدوا أنفسهم خارج اللعبة، بكل امتيازاتها المادية والمعنوية؟" ويضيف "إنّ النقابة مشروع نضالي، بالتالي فمن يجعلها حقيقة ميدانية هم الفنانون المناضلون، لا المنتفعون والاستعراضيون".
بديل ممكن
منذ مطلع العام الفائت، أطلق الممثل والمخرج المسرحي حيدر بن حسين (1970)، فكرة إنشاء نقابة مسرحية، فتراوح الحكم عليها بين الترحيب بها وربطها بمآلات التجارب السابقة، لكنّ الرجل لم يكفّ عن التحرّك في الواقع والمواقع، شارحاً لها، ومبيّناً أهدافها، ومشيراً إلى ثمارها، ومؤكّداً على ضرورتها، بالتوازي مع كتابات تنظيرية لمفهوم وأدوار المؤسسة المسرحية، في ظلّ التحوّلات الجديدة، قلّما قرأنا مثلها في فهم اللحظة المسرحية، منذ الاستقلال الوطني.
يقول في رسالة وجّهها إلى وزير الثقافة والفنون الحالي زهير بللو "ألفت انتباهكم إلى ضرورة بناء سوق مسرحية حقيقية في الجزائر، وهو المشروع الذي يمكن أن يشكّل الخلاص الفعلي للمسرح الجزائري، الذي هو ليس مجرّد وسيلة للترفيه، بل هو مرآة تعكس هوية الأمة، ووسيلة للتعبير عن أسئلتها الثقافية والاجتماعية".
تضيف الرسالة: "إنّ المسرح الجزائري يعاني، اليوم، من ضبابية وصمت مقلقين، مما يجعل التحرّك الفوري لسدّ الثغرات الموجودة ضرورة لا تحتمل التأجيل".
وذكر مخرج عرض "انسوا هيروسترات"، لـ"العربي الجديد"، بعض تلك الثغرات: التكوين المسرحي القائم على مناهج تجاوزها الزمن، التعاملات الإدارية الثقيلة، التمويل غير الدائم، وغياب المناخات التي تجعل العلاقة بين المسرح والفنون الأخرى مثمرة.
ويستبعد صاحب المبادرة أن يكون مآلها شبيهاً بسابقاتها، "لأننا عرضنا الفكرة على مختلف الفاعلين المسرحيين، وجعلناها محل نقاش، فهي بصدد أن تتحوّل إلى قناعة جماعية، ومثل هذه القناعات شبيهة بالأنهار، لا يمكن أن يقف أحد في وجهها". ويقول مخرج عرض "عقد الجوهر" إن قطاعاً واسعاً من الممارسين المسرحيين في الجزائر باتوا مقتنعين بالنقابة باعتبارها ضرورة، ليس للدفاع عن حقوقهم المادية فقط، بل أيضاً لاقتراح تصورات ورؤى مبتكرة وعمليّة لتسيير المؤسسات المسرحية الحكومية التي تملك كثيراً من الإمكانيات وقليلاً من الأفكار. ويضيف: "لقد تعبنا من الخسارات الناتجة عن الفرص الضائعة". ويختم حديثه لـ"العربي الجديد" بحكم يشبه الصرخة: "تعالوا نكنْ صوتاً للحقّ والجمال، ونضع مصلحة المسرح والإنسان في قلب اهتماماتنا، لأنّ المسرح إذا مات، ستفقد الأمّة جزءاً من روحها، وإذا نهض، فسيكون بدايةً لنهضة ثقافية وفكرية حقيقية تستحقها الجزائر".
