العيدية لم تختفِ... بل غيرت جمهورها في عيد الأضحى

6 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

<p>غياب مظاهر العيدية لا يعني زوالها، بل يشير كما يقول مراقبون إلى تحول في معناها وجمهورها (أمانة منطقة القصيم)</p>

فيما تستمر أجواء عيد الأضحى لليوم الثاني، يلاحظ كثر غياب طقس كثيراً ما ارتبط بالبهجة والمرح، خصوصاً لدى الأطفال: "العيدية".

فعلى عكس عيد الفطر الذي يحتفي بالهدايا النقدية والمغلفات المزخرفة وصخب المطاردة بين الصغار والأقارب، يبدو عيد الأضحى أكثر هدوءاً وأقرب إلى طابع روحاني تتقدمه شعائر الذبح والزيارات العائلية.

آراء مختلفة 

لكن غياب مظاهر العيدية لا يعني زوالها، بل يشير كما يقول مراقبون إلى تحول في معناها وجمهورها، وربما زمنها أيضاً.

توضح المواطنة نوال أن والدها بعد ذبح الأضحية يحرص على توزيع مبالغ نقدية رمزية على العاملين في المنزل، وتصف ذلك بأنه "أصبح من الطقوس الأساسية لدينا في عيد الأضحى، على عكس ما يحدث في عيد الفطر". وتضيف "سواء كانت العيدية قطعة لحم أو مبلغاً بسيطاً من المال، فقد تحولت إلى تعبير موسمي عن الامتنان نخص به العمال، لا عادة عائلية، بل لفتة إنسانية تحمل تقديراً صامتاً لدورهم".

 

ولا تختلف تجربة المعلمة هالة العتيبي من الطائف، إذ تشير إلى أن "العيدية باتت ترتبط لدينا بعاملات المنزل أو السائق، لم نعد نراها جزءاً من الاحتفال العائلي الداخلي. الأطفال تغيرت أولوياتهم، بينما لا يزال العمال يُقدرون هذه الإشارة البسيطة".

في الاتجاه ذاته، يرى الموظف في القطاع الخاص، فهد الدوسري، أن "كلف الأضحية والولائم في عيد الأضحى تجعل مسألة العيدية العائلية أكثر تعقيداً"، مشيراً إلى أن التزامات العيد الكبرى تطغى على الطقوس المالية الصغيرة.

أما مها الجهني، وهي ربة منزل، فترى أن تغير العيدية لم يقتصر على العادات الأسرية فحسب، بل شمل أيضاً تطلعات الأطفال أنفسهم، وتقول "جيل اليوم لا يطلب العيدية كما كنا نفعل في السابق، معظمهم بات ينتظر شحن الألعاب الإلكترونية أو الحصول على هدايا رقمية، ولم تعد النقود الورقية تُثير حماستهم". وتضيف "لذلك أصبحت العيدية تُخصص غالباً لمن يساعدوننا في المنزل، كجزء من طقوس عيد الأضحى الثابتة".

تحول في ذاكرة العيد

تؤكد المتخصصة الاجتماعية خلود الحمد أن ما يجري ليس مجرد تبدل في جهة العطاء، بل يعكس ما تصفه بـ"تحول في منطق الفرح ذاته". وتوضح أن "العيدية لم تختفِ تماماً، لكنها لم تعد موجهة حصرياً إلى الأطفال. كثير من العائلات باتت توزعها بعد ذبح الأضحية على من يعاونون في أعمال المنزل أو على السائقين، لا على الصغار".

وتحذر الحمد من أن غياب العيدية عن ذاكرة الطفولة قد يترك ما تسميه "شرخاً ناعماً في ذاكرة العيد"، مشيرة إلى أن الفرح لم يعد يُوزع كما في السابق، بل أُعيد رسم حدوده بما يتماشى مع أولويات اجتماعية جديدة. وتضيف "في عيد الأضحى تحديداً يسود شعور ضمني بأن المناسبة أعمق من مجرد بهجة فردية، إنها لحظة تضحية ومشاركة، ولهذا يختار بعض السعوديين التعبير عن امتنانهم للعاملين بصمت طوال العام، بدلاً من الاكتفاء بإسعاد الأطفال".

وفي كثير من الأحيان تأخذ العيدية في عيد الأضحى شكل قطع من لحم الأضحية تُوزع على العاملين في المنزل، وأحياناً تمتد لتشمل عمال الحي، في لفتة تعبر عن المشاركة والامتنان، إذ يحرص كثير منهم على طهو وجبة طازجة في هذا اليوم المبارك.

العيدية لم تغب بل تغيرت مكاناً وغاية

في قراءة تاريخية لتطور مفهوم العيدية، يوضح المؤرخ السعودي إبراهيم الشيخ أن "العيدية كانت في السابق طقساً أساساً من طقوس العيد، وتبرز بصورة خاصة في ما كان يُعرف بعادة الحوامة، حين يطوف الأطفال على البيوت طلباً لها". ويتابع "اليوم لا تزال بعض العائلات متمسكة بهذا التقليد، لكن بأساليب مختلفة، فبعضها يقصر العيدية على الأطفال داخل الأسرة، وأخرى توجهها للعمال والوافدين كنوع من الإحسان الموسمي، فيما هناك من تخلى عنها تماماً".

ويرى الشيخ أن هذا التباين في ممارسات العيدية يعكس اختلاف المرجعيات الثقافية داخل المجتمع، موضحاً أن "بعض البيوت لا تزال ترى في العيدية رمزاً يربط الأجيال ويجدد مشاعر الفرح، بينما تعتبرها أخرى وسيلة لشكر من يسهمون في راحة الأسرة اليومية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم ثبات الطابع الديني لعيد الأضحى، فإن طقوس العيدية تظل متحركة وغير خاضعة لقواعد موحدة. فبين من يعتبرها صدقة موسمية، ومن يمنحها كنوع من الامتنان، ومن يختصرها في توزيع لحم الأضحية، تتعدد التفسيرات وتتشكل الطقوس بحسب خصوصيات الأسر والمجتمعات.

متغيرة في "الأضحى" ثابتة في "الفطر"

غياب العيدية عن بعض مشاهد عيد الأضحى لا يعني اختفاءها، بل يعكس تحولاً في معناها ومكانها. ففي حين يحتفظ بعض السعوديين بطقوسها ضمن نطاق العائلة، يختار آخرون توجيهها إلى من يعملون في الظل، كلفتة امتنان موسمية تعبر عن التقدير بعيداً من الطابع الاستهلاكي.

لكن على رغم هذا التحول، تظل العيدية ركناً ثابتاً وأساساً في عيد الفطر، إذ لا تكتمل مظاهر البهجة لدى كثير من العائلات من دونها، خصوصاً في عيون الأطفال الذين لا يزالون يترقبونها كعلامة مميزة للفرح والاحتفال.

 

subtitle: 
تحول اجتماعي يعيد تشكيل مظاهر الفرح ويغير أولويات العطاء داخل البيوت السعودية
publication date: 
السبت, يونيو 7, 2025 - 15:30
Read Entire Article