ARTICLE AD BOX
وضعت قوات الأمن السورية الجديدة يدها على سبعة مقرّات رئيسية لفصائل عراقية مُسلحة، تتوزّع ضمن خطوط عسكرية متقاطعة في محيط محافظة حلب، شمالي سورية، في ريفي حلب الغربي والشرقي، وواحد رئيسي عند أطراف المدينة. مدارس ودوائر حكومية ومدرسة تدريب عسكرية، ومنزل كبير لعائلة حلبية معروفة نزحت منه ليتحوّل مقرّاً ومركز احتجاز يستخدمه أحد تلك الفصائل، بينما تعج ضواحي دمشق بأكثر من هذا العدد، خصوصاً في السيدة زينب والغوطة الشرقية وقدسيا، وجرمانا، وهي بالمُجمل مكاتب ومقرّات تضم مسلحين عراقيين ينتمون إلى فصائل عدة. وفي السنوات الأخيرة من عُمر نظام الأسد، لم يكن يُسمح لعناصر المليشيات العراقية بالخروج والاختلاط بالأهالي بصفتهم المُسلحة، مُحتفظين بهامش حركة كبير في دمشق وريفها عبر أنشطة دينية واستخبارية مختلفة، كان من آخرها اعتقال عراقيين مقيمين في دمشق، قبل شهر من سقوط النظام، ونقلهم إلى بغداد بتنسيق مع النظام المخلوع.
يبدو هذا الواقع أوضح بكثير في محافظة دير الزور، حيث مناطق الميادين، والبوكمال، والطلائع، والهري، وثنايات، التنف، وبلدات أخرى قريبة من خطوط التماس مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أو القريبة من المعسكرات الأميركية في الشرق السوري، حيث تضم عشرات المقرّات، واحتفظت المليشيات العراقية فيها بأنشطتها العسكرية حتى الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط نظام الأسد.
تضم دير الزور عشرات المقرّات للمليشيات العراقية التي احتفظت بأنشطتها حتى الأيام الأخيرة لسقوط النظام
إلى الشرق من حمص، حيث مدينة تدمر، تظهر كتابات لأسماء مليشيات مختلفة، على مبانٍ عامة، وبقايا نقاط تفتيش حول المدينة، تعود إلى مليشيات مسلحة، أبرزها "فاطميون"، و"الإمام علي"، و"قوات الرضا"، و"الدفاع الوطني"، والأخيرة مليشيا محلية تزعم ارتباطها بالحزب القومي السوري، لكنها عمليا كانت مرتبطة بالجهد الإيراني الداعم لنظام الأسد.
إرث دموي
جميع هذه المقرّات، سواء التي كانت فيها فصائل عراقية، أو إيرانية، أو الجماعات متعدّدة الجنسيات، كما في حال "زينبيون" و"فاطميون"، اللتين انسحبتا إلى داخل العراق بعد سقوط النظام، باتت، وبقرار من وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، تحت إشراف وزارة الدفاع، وجرى نشر أفراد من الجيش فيها، لمنع استمرار العبث أو سرقة ما تبقى من شبابيك وحديد تسليح وأسلاك كهرباء. غير أن قسماً تعود ملكيته لوزارة التربية والتعليم، مثل المدارس والمعاهد، بات تحت إشراف وزارة الداخلية، بينما استرد أصحاب المنازل والمجمعات التجارية أملاكهم، كما في حالة البوكمال السورية.
تُظهر إفادات المواطنين السوريين، إرثاً دموياً للفصائل العراقية المسلحة، على مدى سنوات الثورة، لا يقتصر على مشاركة النظام في العمليات العسكرية والدعم الناري، وما رافقها من جرائم مروّعة، خصوصاً في أرياف دمشق وحمص وحلب والبوكمال وإدلب، بل تتعدّى إلى عمليات خطف وتغييب مواطنين، وأخرى نهب وسرقة من مناطق عدة، وصولاً إلى استغلال سيطرتهم على الشريط الحدودي مع العراق في عمليات تهريب مختلفة، منها الوقود ومحرّكات السيارات والأدوية.
في ريف حلب الغربي، حيث المعقل الأهم للفصائل المسلحة بعد عام 2016 ولغاية سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، يؤكد مواطنون سوريون أنهم طالبوا مسؤولين في وزارة الداخلية الجديدة في دمشق بالبحث عن أبنائهم الذين اعتقلتهم المليشيات العراقية خلال تلك الفترة ولا يُعرف لهم مكان. غير أن أياً من الأهالي لا يُقدّمون أدلة ملموسة تدين تلك المليشيات، أو تُمكّن حكومة بلادهم الجديدة من ملاحقتهم، وهذا طبيعي في مثل الأوضاع التي واجهت مجمل الجغرافية السورية.
الشهادات العينية والإفادات من أهالي الضحايا الذين خطفوا أو تورّطت المليشيات بقتلهم، كل ما يملكه السكان المحليون.
يتهم أبو أنس الحمامي، وهو مواطن سوري، "المليشيات"، بالوقوف وراء خطف ابنه عام 2018. يقول إنه دفع مبالغ مالية، للحصول على أي معلومة عنه، وانتهى به المطاف أخيراً إلى مطالبة والدته أن "تقرأ عليه الفاتحة"، في إشارة إلى يأسه من العثور عليه حياً، وأن تكف أمه عن البحث والمتابعة.
يقول الحمامي لـ"العربي الجديد"، إن ابنه (مالك) جرى اعتقاله من حاجز تفتيش لمليشيات لا يعرف إن كانت عراقية، لأن الإيرانيين كانوا موجودين أيضاً في تلك الفترة، لكن شهود عيان أكّدوا أن أفراد الحاجز الذين اعتقلوا ابنه، دخلوا مدرسة كانت مقرّاً لهم، وعند ذهابه وجد فيها أشخاصاً يتحدثون اللهجة العراقية، وطلبوا منه الابتعاد عن المكان.
يقول ماجد عبد الكريم، وهو أحد عناصر الأمن العام في حلب، إنهم وضعوا أيديهم على وثائق ومعلومات وأسلحة ومعدّات تركها أفراد الفصائل المسلحة خلفهم يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، من عدّة مقرّات، وأخرى استولى عليها سكان محليون، أضرموا النار بالمقرات بعد أخذ ما فيها. وقد نُقلت وثائق كثيرة إلى دمشق في محاولة للأرشفة وجمع المعلومات، لكن هذا الإجراء جاء متأخراً وفقاً لعبد الكريم، بسبب عمليات الإتلاف والعبث بالأوراق التي استمرّت عدة أسابيع بعد سقوط النظام. ويضيف في شهادته لـ"العربي الجديد" إن "سيارات بيك أب تابعة للحكومة جمعتها في أكياس كبيرة ونقلتها إلى الشام". ويفيد بأن السكان المحليين نهبوا أغلب تلك المقرّات في ريف حلب الغربي، بما فيها من مؤونة غذائية، وملابس وأسلحة، ووصل الحال إلى انتزاع أسلاك الكهرباء من الجدران، وحتى الشبابيك جرى نزعها من الجدران من لصوصٍ بغرض بيعها لاحقا.
استولى مواطنون على عدد من المقرات بعد سقوط النظام، وأضرموا بها النار بعد أخذ ما فيها
تظهر في مدرسة ثانوية كبيرة تقع خلف "مول القاطرجي"، في حي حلب الجديدة، آثار وكتابات ورايات على الأرض لجماعتي "النجباء" و"كتائب حزب الله" العراقيتين، مع أوراق على الأرض، تُظهر جدول المناوبات لحراسة في المكان الذي جرى تعريفه باسم بـ"مركز الإمام مسلم". ويقول محمد الأسلمي، الذي رمّم غرفتين من هذا المقر، ونقل زوجته وأطفاله إليه، تاركاً خيمته التي ظلّ فيها أكثر من سبع سنوات، إنه جاء إلى المكان في فبراير/ شباط الماضي، ووجد أن الناس أخذت ما فيه، ولم يبق منه شيء، ووافقت إدارة الأمن الجديدة في حلب على أن يبقى في المكان مقابل حراسته ووقف سرقة ما تبقى منه.
يستأذن الأسلمي أن ننتظر قليلاً قبل الصعود إلى الدور العُلوي من المدرسة، إلى حين استعداد زوجته وبناته، حيث باتت غرفتان مسكناً لهم، وثالثة للغسيل والتخزين. يخبر "العربي الجديد" أن "المكان سيئ للغاية، لكنه أفضل من الخيمة"، وفقاً للأسلمي الذي يصرّ على صعودنا إلى سطح المدرسة، ورؤية الحواجز التي وضعها الأهالي فوق منازلهم المحيطة بالمقرّ، لحجب رؤية عناصر المليشيات عنهم، حيث كانوا يجلسون على السطح ساعات طويلة ويُشرفون على المنازل القريبة.
جميع من في هذا المقر تركوه بشكل مفاجئ وسريع باتجاه أكاديمية الهندسة العسكرية (على بعد 5 كيلومترات منه)، مع اقتراب فصائل عمليات ردع العدوان من أطراف المدينة.
تفريط بالوثائق
يقول الضابط في الأمن العام وأحد المسؤولين الحاليين عن مقرّ الأكاديمية، نبهان العيسى، لـ"العربي الجديد"، إن هذا المكان كان يجمع عدة عناوين مسلحة، بينها إيرانية، وليست عراقية فقط، وإن هذه الأكاديمية كانت من آخر ما جرت السيطرة عليه في حلب، وتم وضع اليد على وثائق ومعلومات كثيرة عن طبيعة الأنشطة التي كانت فيها.
ويقول الناشط السياسي، فراس العكيدي، لـ"العربي الجديد"، إن الأهالي وضعوا أيديهم على كثير من محتويات مقرّات فصائل عراقية مسلحة كانت تعمل في منطقة دير الزور. ويوضح أن أسلحة وأجهزة اتصال وكاميرات مراقبة نهبت بعد الانسحاب السريع لهذه الفصائل قبيل ساعات من سقوط النظام، لكن الأهم أن معلومات ووثائق فرّطت بها الإدارة السورية الجديدة، وكان يمكن من خلالها معرفة مصير من اعتقلتهم تلك الفصائل، أو حتى إدانتها دولياً على ما اقترفته من جرائم بالسنوات الماضية.
وقد اختطفت مليشيات عراقية مسلحة 180 سورياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ما زال مصيرهم مجهولاً بعد اقتحام هذه المليشيات قريتي السويعية والهري ضمن محافظة دير الزور، لكن المرصد السوري لحقوق الانسان تحدث عن أكثر من مائتي سوري اختطفتهم تلك المليشيات في تلك الفترة. وقد تظاهر في 11 فبراير 2025، أهالي المفقودين في ساحة عامة وسط البوكمال، مطالبين بمعرفة مصير أبنائهم ومتّهمين المليشيات العراقية بالوقوف وراء تغييبهم، بعد اعتقالهم وإبلاغ ذويهم بأنهم سيدقّقونهم أمنياً، لكن لا أثر لهم.
فراس العكيدي: معلومات ووثائق فرّطت بها الإدارة السورية الجديدة، وكان يمكن من خلالها إدانة المليشيات دولياً
أسر كاملة منكوبة، فقد جميع رجالها، بعد اعتقالهم، وتتردّد أسماء كثيرين منهم، بسبب عدم يأس أهاليهم من العثور عليهم أحياء: علي مشلح هويدي، غانم مشلح هويدي، ثامر مفلح الحوران، محمود كمال النعيمي، ماجد نايف الجبوري، عاسج عبيد مطلك، محمد خميس الحرفوش، ومطر خميس الحرفوش، عبد الله السور، وعشرات آخرون من قريتين فقط في البوكمال اختطفتهم المليشيات العراقية.
أبو تقوى وأبو سجاد اسمان لقائدين في الفصائل العراقية في المنطقة حيث كان يتردد أهالي البوكمال. يقول مالك الجاسم، وهو والد أحد المختطفين، إنه قابلهما وأبلغاه أنهما سلّما ابنه للسوريين، في إشارة إلى نظام الأسد، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن أولياء مفقودين أبلغوهم بإجابة مختلفة عندما قابلوهم قبل سقوط النظام، وقالوا لهم، "عند جماعة حجي باقر". وباقر هذا هو المسؤول الإيراني المقيم في البوكمال من 2017 إلى 2023.
بسبب تكرار نقل مقرات هذه الفصائل وتغييرها بين وقت وآخر في منطقة دير الزور، إثر القصف الأميركي المتكرّر لها، فإنه لا عدد دقيقاً لهذه المقرّات. غير أن أحد أفراد الأمن العام في البوكمال، قال عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، إنها تتجاوز الـ30، وكان بعضُها يضم أنفاقاً للاختباء، ومخازن محفورة تحت الأرض.
الإدارة السورية مُتأخرة كثيراً في إنشاء قاعدة بيانات للمختفين قسرياً، هذا ما يمكن استخلاصه من أحاديث من قابلناهم من السوريين في عدة مدن ونواح. ومنهم أمينة أحمد حسين (56 عاماً) التي لا تزال تبحث عن زوجها محمد الشعيطي، وابنها حميد (21 عاماً) الذي كان، عند اختفائه في حاجز لمليشيا "سيد الشهداء" العراقية سنة 2023، يحمل معه 400 دولار لشراء مضخّة مياه جديدة. تقول لـ"العربي الجديد"، إن الأمل بوجودهما حيّين تراجع، وقد دخل إخوتها مقرّ هذه المليشيا بعد انسحابها من المدينة، ولم يعثروا على أحد.
توسّطت أمينة عند شخص يُدعى الحاج عسكر، لإطلاق سراح زوجها وابنها، عن طريق شخص من المتعاونين مع الفصائل العراقية، وهو سوري، وطالبها بثلاثة آلاف دولار أعطته إياها مقابل الوساطة، لكن لا شيء تحقق، وجاء سقوط النظام ليختفي هذا المتعاون أيضاً.
وقد عَثر الأمن العام السوري، الشهر الماضي (مايو/ أيار)، على جثة أحد المتعاونين مع المليشيات العراقية في منطقة صناعية ببلدة البوكمال. وقد باتت هذه الظاهرة تتكرّر بين وقت وآخر، ويعتقد أن التصفيات مرتبطة بأنشطة هؤلاء الاشخاص في فترة النظام ووجود المليشيات العراقية في المنطقة.
رابطة لضحايا المليشيات العراقية في سورية
ويستعد الناشط السياسي حامد الديري، مع آخرين، لتشكيل رابطة تُعنى بشؤون ضحايا هذه الجماعات وعائلاتهم في محافظة دير الزور. ويقول لـ"العربي الجديد" إن مقرّات الفصائل العراقية "ارتبطت بذاكرة سيئة عند أهالي دير الزور خصوصاً، والمدن السورية الأخرى على وجه عام". ويضيف: "كنّا نضطر لمجاملتهم في نقاط التفتيش التي ينصبونها، لأن اعتقالهم أي شخص يعني إما أنه سيعود إلى منزله بكسور وعاهات قد تكون مستديمة، أو قد لا يعود من الأساس".
ويقول المحامي والحقوقي السوري، وضاح الجبوري، الذي نزح من الحسكة باتجاه حلب بعد سقوط النظام واستقرّ هناك، إن "الحكومة السورية لا تملك الحق في التنازل عن حقوق الضحايا الذين تورّطت المليشيات العراقية بدمائهم، تحت أي سبب كان". ويُحذّر الجبوري في حديث مع "العربي الجديد" من وجود محتالين يخدعون ذوي المفقودين من أن أبناءهم جرى نقلهم إلى العراق مع انسحاب المليشيات قبل سقوط النظام، ويؤكّد أن هذا كله غير صحيح، والغرض منه أخذ أموال من أسر الضحايا، وأن جميع من اعتقلتهم المليشيات العراقية، أو النظام ولم يظهروا في اليوم الأول للتحرير، يعني أنه تم إعدامهم.
في السيدة زينب بريف دمشق، كانت عدّة مقرّات للفصائل العراقية، في الحجيرة، والحيدرية، والمقام، والصناعية، والذيابية، منها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"سيد الشهداء" و"عصائب أهل الحق"، وأسّست تلك الفصائل مكاتب وزاولت أنشطة دينية ودعوية كانت من خلالها تنظم حملات مساعدة، مثل سلال غذائية للسكان المحليين.
تتجاوز مقرات المليشيات العراقية الـ30 في البوكمال، وكان بعضُها يضم أنفاقاً للاختباء ومخازن تحت الأرض
يقول حيدر السيد محمود، وهو أحد سكان منطقة الحجيرة، لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل العراقية لم تكن تخرج بسلاحها بالشارع ولا تنصب أي نقاط تفتيش أو حواجز منذ عام 2020، ووجودها في السيدة زينب مختلف عن باقي المناطق. ويوضح: "علمت أن جميع من في تلك المقرّات غادروا إلى لبنان بعد سقوط النظام ودخول الفصائل السورية دمشق، وقسما منهم تأخّر بالانسحاب حتى اليوم الثاني"، متحدثاً عن استيلاء أطراف مختلفة على محتويات تلك المقرات.
وتبرز فصائل "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"الإمام علي" و"كتائب سيد الشهداء" و"عصائب أهل الحق"، و"الخراساني" والطفوف" و"أبو الفضل العباس"، بوصفها أهم الجماعات التي تصدّرت العمل العسكري في سورية لدعم نظام الأسد. وما زالت هذه الفصائل في مناطق القائم وحصيبة ومكر الذيب وعكاشات، غربي العراق ضمن محافظة الأنبار، منذ انسحابها من الأراضي السورية المجاورة قبل سقوط النظام بيوم. وقد تورّطت هذه المليشيات بجرائم إلى جانب قوات النظام، أبرزها في الغوطة الشرقية، حيث شاركت مليشيا "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، إلى جانب قوات النظام، وتحديداً في دوما وحزرما، وكفر بطنة، بالإضافة إلى جرائم القصير في ريف حمص، ومجازر في ريف حلب الغربي والجنوبي، ودير الزور وريف حماة والوعر في حمص، التي تتهم مليشيا "الإمام علي"، بتنفيذها، إلى جانب عمليات التغيير الديمغرافي والتهجير في مناطق سورية مختلفة، أبرزها في الغوطة بريف دمشق.
وأظهر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، في يناير/ كانون الثاني 2015، تورّط المليشيات بقتل مئات المدنيين خلال تلك الفترة، قال إن من بين القتلى 962 مدنيا، و172 طفلا و143 امرأة، وحمّل التقرير آنذاك الحكومة العراقية مسؤولية الجرائم التي تتورّط بها تلك المليشيات وخصّ منها مليشيا أبو الفضل العباس. وطالبت الشبكة مجلس الأمن بإصدار قرار بشأن هذه المليشيات المقاتلة في سورية على غرار القرار 2170 الخاص "بالفصائل الإسلامية المتشدّدة"، وفرض عقوبات على المسؤولين والسياسيين المتورّطين بدعمها.
ويتحدث الخبير في الشأن الأمني والسياسي السوري، عبد الله النجار، (مقدّم في الجيش منشقّ سابقاً) عن تقديرات بتورّط أكثر من 70 ألف عنصر مسلّح من تلك المليشيات في جرائم مباشرة في الأراضي السورية. ويوضح أن "المليشيات العراقية في المجمل كانت شريكة في كل الانتهاكات التي ارتكبها النظام، سواء بعمليات القتل الجماعي أو التجريف والتهجير أو القتل على الهوية الطائفية، إضافة الى عمليات التغيير الديموغرافي، خصوصاً في دير الزور"، مبيناً أن هذه المليشيات "دعمت وساهمت أيضا بتشكيل مليشيات سورية محلية طائفية". ويلفت إلى أن "الحكومة السورية الجديدة مطالبة برفع دعاوى أمام محاكم دولية لإدانة إيران والمطالبة بالتعويض على جرائم وانتهاكات المليشيات بوصفها راعياً ومؤسّساً"، على حد تعبيره.
وقد أظهر مسح ميداني أجراه مركز جسور للدراسات في عام 2023، وهو مركز معني بالشأن السوري، وجود 570 موقعاً عسكرياً إيرانياً في الأراضي السورية. وأفاد بأن إيران تمتلك أكبر حجم نفوذ خارجي في الخريطة السورية، تليها تركيا بـ125 موقعاً، ثم روسيا بـ105 مواقع، وأخيراً التحالف الدولي بـ30 موقعاً. وخلُص إلى أن إيران زادت من حضورها العسكري جنوبي سورية، مستفيدة من تخفيض روسيا التزاماتها أمام إسرائيل في المنطقة، بسبب موقف الأخيرة من الصراع في أوكرانيا.
ويقول الباحث السوري، أحمد الحوراني، إن "غالبية المراكز البحثية والمراقبين، عندما يتحدثون عن النفوذ الإيراني، فإنهم يشملون المليشيات والجماعات العراقية المسلحة". ويضيف: "لطالما ارتبطت المليشيات العراقية بالتحرّك والجهد الإيراني بسورية، ولا يمكن فصلها باعتبارها كياناً مستقلاً بهوية خارج النطاق الإيراني، لذا كان انسحابها متزامنا مع انسحاب مستشاري الحرس الثوري الإيراني من دمشق"، معتبراً أنها "تبقى صفحة داخل كتاب التغول الإيراني في سورية خلال السنوات الماضية، والأفضل عدم وصمها أو وصفها بصفة العراقية، مراعاة للجيرة والعلاقات بين الشعبين العربيين الشقيقين".
