ARTICLE AD BOX
تباطأ إنفاق المستهلكين الأميركيين في إبريل/ نيسان المنصرم، في حين تراجعت واردات السلع إلى أدنى مستوى قياسي، مع تكيف الشركات مع الرسوم الجمركية المرتفعة. وأظهرت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي الصادرة، اليوم الجمعة، أنّ الإنفاق الشخصي المعدل حسب التضخم ارتفع بنسبة 0.1% فقط، مقارنة بارتفاع نسبته 0.7% في الشهر السابق. وفي بيانات منفصلة، تراجعت واردات السلع بنسبة تقارب 20%، مما أدى إلى تقلص كبير في عجز الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة خلال نفس الشهر.
وفي الوقت نفسه، ظل مؤشر الأسعار المفضل لدى مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) معتدلاً. إذ ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، باستثناء الغذاء والطاقة، بنسبة 0.1% فقط على أساس شهري، و2.5% على أساس سنوي مقارنة بإبريل/ نيسان 2024، وهو أدنى معدل سنوي منذ أكثر من أربع سنوات. وبحسب ما تورده وكالة بلومبيرغ، تعكس هذه البيانات صورة للاقتصاد الأميركي خلال شهر شهد فيه تصعيداً تجارياً من إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي رفعت الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145%، مما تسبب في اضطراب أسواق الأسهم ودفع الشركات إلى وقف الطلبات على السلع المستوردة.
وتُظهر الأرقام مؤشرات قلق بين المستهلكين الأميركيين بشأن الأوضاع الاقتصادية، في أعقاب أضعف ربع سنوي للإنفاق خلال نحو عامين. وحتى الآن، لم تنعكس الرسوم الجمركية المرتفعة بشكل كبير على أسعار السلع، لكن المعنويات العامة تدهورت وتراجع التفاؤل بشأن الأوضاع المالية الشخصية إلى مستوى قياسي منخفض. وقد خُفّضت الرسوم لاحقاً عقب اتفاق مؤقت بين الولايات المتحدة والصين على تقليص متبادل للرسوم الجمركية، ما دفع بعض المستوردين لاستئناف الشحنات في مايو/ أيار.
غير أنّ التقلب المستمر في السياسات التجارية زاد من حالة عدم اليقين. فقد أصدرت محكمة أميركية هذا الأسبوع حكما يعطل فرض عدد من الرسوم، بينما اتهم ترامب الصين، اليوم الجمعة، بانتهاك الاتفاق مع الولايات المتحدة، ما أعاد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم إلى الواجهة.
وفي هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في شركة "أر إس إم يو إس" (RSM US)، جوزيف بروسويلاس، في مذكرة تعليقاً على البيانات، إن "إنفاق الأميركيين تباطأ في إبريل بينما خفضت الشركات بشكل حاد وارداتها بعد أشهر من تسريع النشاط الاقتصادي لتفادي تأثيرات الرسوم الجمركية، ما يزيد من الغموض المحيط بالآفاق الاقتصادية في ظل تغيّر السياسات التجارية يومياً تقريباً".
ووفقاً لكبير الاقتصاديين في "أوكسفورد إيكونوميكس"، ماثيو مارتن، فإن التراجع الحاد في واردات السلع يعكس أيضاً تباطؤاً في تدفقات الأدوية بعد ارتفاعها في مارس/ آذار، إلى جانب انخفاض واردات الذهب. ومن الناحية الإحصائية، يُتوقع أن يؤدي هذا التراجع في الواردات، بعد شهور من التسريع، إلى دعم الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني، على عكس الربع الأول الذي تأثر سلباً بالعجز التجاري الكبير.
وفي ما يخص السياسة النقدية، يُرجّح أن يبقي صانعو السياسات في البنك الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير في المستقبل القريب حتى تتضح الآثار الكاملة للرسوم الجمركية، ليس فقط على الأسعار، بل أيضاً على سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي. أما الزيادة الطفيفة في الإنفاق خلال إبريل، فكانت مدفوعة بنمو الإنفاق على الخدمات، الذي عوّض تراجع الإنفاق على السلع المعمرة.
ويركز الاقتصاديون حالياً على مدى تمرير الشركات للزيادات في الرسوم الجمركية إلى المستهلكين. فقد ارتفع مقياس تضخم السلع، باستثناء الغذاء والطاقة، بنسبة 0.3%. وعلى الرغم من أن العديد من الشركات امتصت حتى الآن تأثير الرسوم أو عوضته، إلا أن تجار تجزئة كبار مثل "ولمارت" (Walmart) و"ماسيز" (Macy’s) حذروا من أن المستهلكين الأميركيين سيبدؤون قريبا بملاحظة زيادات في الأسعار.
هذا وشهدت أسعار الخدمات الأساسية التي تُستثنى منها تكاليف السكن والطاقة استقراراً نسبياً، وهو الأبطأ منذ خمس سنوات. وأظهرت محاضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشهر مايو/ أيار الجاري، الصادرة هذا الأسبوع، أن خبراء البنك المركزي خفّضوا توقعاتهم للنمو الاقتصادي في عامي 2025 و2026، نتيجة للسياسات التجارية المعلنة.
ورغم تباطؤ نمو الوظائف منذ العام الماضي، إلا أن سوق العمل ما زال المحرك الرئيسي للإنفاق الاستهلاكي. فقد ارتفع الدخل الحقيقي المتاح للإنفاق بنسبة 0.7% للشهر الثاني على التوالي، بدعم من مدفوعات حكومية. وحتى مع استثناء التحويلات الحكومية، استمر نمو الدخل الشخصي بوتيرة صحية، إذ ارتفعت الأجور والرواتب الاسمية بنسبة 0.5% للشهر الثالث على التوالي. كما ارتفعت نسبة الادخار إلى 4.9%، وهو أعلى مستوى خلال عام تقريباً.
