ARTICLE AD BOX
بعد بسط الجيش السوداني سيطرته الكاملة على ولاية الخرطوم العاصمة، وطرد مليشيات الدعم السريع منها في 20 مايو/أيار الماضي، احتدمت المعارك بين الطرفين بصورة رئيسية في إقليم كردفان، المكون من ثلاث ولايات، هي شمال وجنوب وغرب كردفان، والتي تشكّل معاً ما يُعرف محلياً بـ"كردفان الكبرى" المحاذية للعاصمة الخرطوم. وتشهد هذه الولايات منذ أيام عدة، معارك ضارية تبادل فيها طرفا الحرب في السودان، السيطرة على عدد من المدن والقرى ذات المواقع الاستراتيجية، إذ يسعى الجيش السوداني إلى تعزيز سيطرته في الإقليم الواقع في وسط البلاد، ومن ثم الانتقال إلى إقليم دارفور غرباً، والذي يمثل حالياً المعقل الرئيسي لـ"الدعم السريع" والحركات المسلحة الموالية لها، ويُتوقع أن يشهد الفصل الأخير من المعارك، في حين تستميت قوات الدعم، التي كانت حتى الأيام الأخيرة، تسيطر على الجزء الأكبر من الإقليم، في الحفاظ على مواقعها لمنع أي تقدم للجيش نحو معاقلها في دارفور غرباً.
ويشهد السودان، منذ 15 إبريل/نيسان 2023، صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ومليشيات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقد خسرت "الدعم" في الأشهر الأخيرة وجودها في ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة والنيل الأبيض، ومع احتدام معارك كردفان تقاربت نسب السيطرة في هذا الإقليم بين الجيش و"الدعم السريع".
أعلنت "الدعم" استعادة الخوي والدبيبات وهما منطقتان لهما موقع استراتيجي، في غرب وجنوب كردفان
ويعتبر إقليم كردفان الذي تبلغ مساحته أكثر 376 ألف كيلومتر مربع من أهم أقاليم السودان والذي يضم عدداً كبيراً من قطعان الماشية التي تغذي مصادر البلاد من الخراف الحيّة واللحوم، إلى جانب إنتاجها الكبير من الصمغ العربي والمحاصيل الأخرى. وترتبط منطقة كردفان الكبرى بحدود مباشرة مع ولايات الخرطوم الشمالية، شمال دارفور، شرق دارفور، والنيل الأبيض، إضافة إلى حدود مع دولة جنوب السودان.
"الدعم السريع" تستعيد الخوي والدبيبات
وكان الجيش السوداني سيطر في 13 مايو الماضي على منطقة الحمادي في ولاية جنوب كردفان والتي مهّدت له الطريق للوصول إلى مدينة الدبيبات في الولاية ذاتها والسيطرة عليها في 23 مايو. وفي 12 مايو، استعاد الجيش كذلك السيطرة على مدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، والتي تبعد عن مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بنحو 108 كيلومترات، وهي ذات موقع استراتيجي يربط بين ولايات جنوب وشمال وغرب كردفان.
وبعد التحركات المتسارعة للجيش السوداني، شنّت "الدعم السريع" هجمات متزامنة لاستعادة المناطق التي فقدتها، وهاجمت يوم الخميس الماضي مدينتي الخوي في ولاية غرب كردفان والدبيبات في جنوب كردفان، وأعلنت في بيانات متتالية على منصة تليغرام مساء الخميس عن استعادة الخوي والدبيبات وهما منطقتان لهما موقع استراتيجي، واعتبرت أن "تحرير المنطقتين يُرسّخ السيطرة الكاملة لقواتها على معظم إقليم كردفان".
كما أعلنت السيطرة على منطقتي الحمادي وكازقيل في ولاية شمال كردفان، والتي تقع جنوب مدينة الأبيض عاصمة الولاية التي يسيطر عليها الجيش السوداني منذ بداية الحرب، وأضافت أن هذه التحركات تأتي ضمن الخطط العسكرية المحكمة لقواتها الرامية إلى توسيع نطاق الانتشار العملياتي، لافتة إلى أن سيطرتها على هذه المناطق تعد تطوراً استراتيجياً وإنجازاً ميدانياً بالغ الأهمية، ونقطة تحول حاسمة في سير المعارك.
ورغم إعلان "الدعم السريع" سيطرتها على منطقة أم صميمة الواقعة جنوب شرق مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان يوم الخميس، إلا أن جنوداً من الجيش نشروا صوراً من داخل المنطقة أول من أمس الجمعة معلنين سيطرتهم الكاملة عليها.
وكان الجيش تمكن في 23 فبراير/شباط الماضي من فكّ الحصار عن الأبيض بعد سيطرته على مدن أم روابة في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، ومدينة الرهد في 17 فبراير، والتي تقع في ذات الولاية. وأول من أمس الجمعة، قصفت "الدعم السريع"، الأبيض، بالمدافع والطائرات المسيّرة، ما تسبب في مقتل ستة أشخاص وإصابة أكثر من عشرة آخرين وتدمير جزء من مستشفى الضمان في المدينة.
ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر عسكري تأكيده مقتل ستة أشخاص الجمعة جراء قصف "الدعم" مستشفيين وأحياء سكنية في الأبيض، فيما أكدت إدارة مستشفى الأُبيّض الحصيلة، مشيرة إلى أن المرفق الطبي بات "خارج الخدمة إلى حين إشعار آخر". وأعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن شعوره بـ"الهلع" إزاء هجوم الأبيض، مضيفاً أن "الهجمات على المرافق الصحية يجب أن تتوقف. ندعو إلى حماية جميع البنى التحتية الصحية والعاملين فيها. أفضل دواء هو السلام". ودانت الولايات المتحدة القصف، وقال مبعوث الرئيس الأميركي مسعد بولس أول من أمس، "إن إتاحة الوصول الآمن والمستدام للفرق الإنسانية أمر في غاية الأهمية، والانتهاكات التي تعرض للخطر مدنيين وجهود إغاثة تتطلب اهتماماً جاداً". من جهتها، اتهمت الخارجية السودانية، "الدعم السريع" بقتل 26 مدنياً بهجمات مختلفة شنّتها على مدن في ولايات كردفان الثلاث، مضيفةً في بيان أن "مليشيا الدعم السريع ارتكبت سلسلة جرائم إنسانية شنيعة، استهدفت أهدافاً مدنية خالصة، وراح ضحيتها مواطنون أبرياء".
وكتب مستشار قائد "الدعم السريع"، الباشا طبيق، على منصة إكس، أمس السبت، إن قواتهم تمكنت من هزيمة الجيش والقوات المساندة له في المعارك الأخيرة وسبّبت لهم أكبر خسارة منذ دخولهم إلى كردفان، معتبرا أنه بذلك "بات تحرير مدن الأبيض والرهد وأم روابة وكوستي مسألة وقت ليس إلا".
ماجد علي: فقدان قوات الدعم لكردفان يعني فقدانها ما يطلق عليه "الحواضن الاجتماعية"
وفي تصريحات جديدة، وجه القائد الثاني بـ"الدعم السريع" عبد الرحيم دقلو في خطاب أمام مجموعة من مقاتليه بمكان غير معروف، أول من أمس، قواته في جميع الجبهات بـ"مواصلة الزحف"، وتوعد بالوصول إلى مدن الأبيض وكوستي والخرطوم وأم درمان وبورتسودان، وأضاف أن قوات "الدعم" لا تقاتل وحدها بل معها كل قوات تحالف "تأسيس" (تحالف من أحزاب وحركات مسلحة موال للدعم السريع).
وأشار دقلو إلى أن قوات الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو تقاتل معهم، وكذلك قوات حركة "تحرير السودان المجلس الانتقالي" بقيادة الهادي إدريس، وستنضم إليهم قريباً قوات من "تجمع قوى تحرير السودان" بقيادة الطاهر حجر، ومن "حركة العدل والمساواة" التي يقودها سليمان صندل. وأضاف: "الإرهابيون الذين يضربون قواعدنا بالأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً لن نتركهم"، وفق تعبيره.
وتسيطر الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، والمتحالفة مع "الدعم السريع"، على مدينة كاودا الحصينة وسط الجبال وعدد من القرى في ولاية جنوب كردفان، فيما يسيطر الجيش السوداني على مناطق حولها في الولاية ذاتها.
معركة اجتماعية في كردفان
ولم يعلق الجيش السوداني على المعارك الأخيرة التي استعادت فيها "الدعم السريع" بعض المناطق، لكن حاكم إقليم دارفور والقائد في القوة المشتركة للحركات المسلحة المساندة للجيش، مني أركو مناوي، قال عبر صفحته بمنصة فيسبوك أول من أمس، إن إعادة التنظيم والتركيز على إتمام الخطوات المتبقية لا يعني أنهم يتراجعون أو يضعفون. وأضاف: "نحن نؤمن إيماناً راسخاً بقدرات قواتنا المسلحة والمشتركة والمقاومة الشعبية، سنحقق النصر مجدداً كما فعلنا في جبل موية وسنار والجزيرة والخرطوم، وسيفرح شعبنا المكلوم في إقليمي كردفان ودارفور قريباً".
وفي هذا الصدد، رأى الصحافي السوداني ماجد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن معركة كردفان بالنسبة للدعم السريع ليست عسكرية فحسب، بل اجتماعية أيضاً، لوجود إدارات أهلية ومليشيات قبلية موالية لهذه القوات في الإقليم، وفقدانها يعني فقدان ما يطلق عليه "الحواضن الاجتماعية"، لافتاً إلى أن هزيمة "الدعم" في كردفان تدفعها بشكل مباشر إلى التقهقر نحو دارفور وانتهاء تهديدها لولايات الشرق والوسط والشمال.
وتوقع علي أن تشهد الأيام المقبلة احتدام المعارك في كردفان بولاياتها الثلاث، وربما ترمي "الدعم السريع" بثقل قواتها في المنطقة لمنع أي تقدم للجيش نحو دارفور، وأيضاً لحماية مناطق حليفتها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان ومنع الجيش من محاصرة مواقع سيطرتها.
