الجزائر ــ فرنسا... زحزحة الموقف

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

حتى مع بعض التسريبات التي تفترض احتمال عقد لقاء قريب بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإعادة بناء تفاهمات بحدها الأدنى يتيح استئناف الاتصال الدبلوماسي والعلاقات بين البلدين، تبقى احتمالات حل الأزمة السياسية بين البلدين، وعلى وجه التحديد تجاوز تداعياتها ومعالجة مخلفاتها، مسألة صعبة وبالغة التعقيد، كونها ترتبط بتحولات كبيرة وجذرية في كامل مسار العلاقة بين الجزائر وفرنسا، أكثر منها مجرد طارئ مرتبط بحدث أو قرار ما.

الاجتماع الأخير الذي عقده ماكرون مساء الأربعاء الماضي، مع أبرز وزراء حكومة فرنسوا بايرو، وتوجيه الحكومة نحو التهدئة وخفض التوتر السياسي مع الجزائر، يعزز وجود مؤشرات عن تبادل رسائل سمحت بالتوجه للبحث عن مسالك لزحزحة الموقف والأزمة، لكن بالنسبة لباريس فإن المبادرة هذه المرة يجب أن تكون جزائرية بالأساس، على اعتبار أن فرنسا سبق أن أخذت على عاتقها المبادرة في المرة الأخيرة، وأوفدت وزير الخارجية جان نويل بارو إلى الجزائر، بداية إبريل/نيسان الماضي.

وسواء عقدت قمة بين تبون وماكرون، في مدينة نيس الفرنسية على هامش قمة الأمم المتحدة للبيئة والمحيطات المقررة بداية يونيو/حزيران المقبل، أو في مكان آخر، (وقد لا تسمح الظروف بعقد لقاء أصلاً)، بنية استعادة نسق العلاقة على النحو المطلوب، فان المسألة كما تبدو في سياقها، تستدعي تنازلات وتسوية قضايا عالقة ومكلفة، مع إدراك أن إلقاء نظرة بسيطة على مسار العلاقات منذ 2022، يؤكد أن سلسلة لقاءات واتصالات بين الرئيسين لم تكن بالضرورة إطاراً لحل الأزمات. ولم يصمد الاتفاق الذي وقعه الرئيسان في أغسطس/آب 2022، أكثر من ستة أشهر حتى فبراير/شباط 2023، ولقاء في روما في يونيو 2024 في باري الإيطالية، لم يسوّ أزمة سابقة، ولم يحل دون تفجر أزمة يوليو/تموز من نفس العام.

يفسر ذلك بوضوح، أن خطوط التراجع عن المواقف والدافعية السياسية ليست بنفس القدر بالنسبة لكلا الطرفين، وآلية اتخاذ القرار السياسي شديدة التمركز في الجزائر، التي يقابلها توزع صارم للقرار بين المؤسسات في فرنسا، والتأثير الواضح للوبيات السياسية والإعلامية في فرنسا أكثر انفلاتاً مقارنة مع الجزائر. كل هذه العوامل تعيق تنفيذ التفاهمات، ويصبح الأمر أكثر تعقيداً حين تدخل الأزمة ومظاهرها ضمن الحسابات الانتخابية، خاصة بالنسبة للجانب الفرنسي الذي يهيمن فيه اليمين المتشدد في الوقت الحالي على اتجاهات المشهد السياسي والإعلامي.

هناك حقيقة قد تبدو مؤذية بالنسبة للجزائر، لكنها واقع قائم يمكن تلمسه بوضوح، وهي أن اليمين المتشدد في فرنسا نجح في مستوى ما، في تحويل الأزمة مع الجزائر، الى رأسمال سياسي وانتخابي، وهو يسعى الى أن يستمر في ذلك حتى انتخابات الرئاسة عام 2027. ومع إظهار المرشح المفترض لهذا اليمين الشائن سياسياً، وزير الداخلية الحالي برونو روتايو، مزيدا من السياسات والقرارات المتشددة في قضايا الهجرة والمهاجرين والإسلام، وفرملة هذا التوجه لا تزال ممكنة، بحيث لم تستخدم الجزائر بعد كل أوراقها في الداخل الفرنسي، أهمها كتلة ديمغرافية مهمة من الجالية الجزائرية والمغاربية، يبقى موقفها مؤثراً في السياق الانتخابي الفرنسي. في كل أزمة، هناك ما يمكن كسبه من نقاط وما يمكن خسارته. في كل أزمة، هناك ما يمكن كسبه من نقاط وما يمكن خسارته. وفي لحظة ما يبدأ الطرفان في تجاوز عد المكاسب، إلى إحصاء الخسائر، ربما تكون الأزمة بين الجزائر وفرنسا قد وصلت إلى هذه المرحلة.

Read Entire Article