الاتحاد الوطني واستراتيجية الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا

2 days ago 4
ARTICLE AD BOX
محمد شيخ عثمان
يمثل موقف الاتحاد الوطني الكردستاني من القضية الكردية في تركيا نموذجاً لاستراتيجية راسخة لاتتغيير بالضغوط او الظروف، حيث يسعى إلى دعم حقوق الكرد من دون التورط في صراعات عسكرية، ويعمل على تعزيز الحلول السلمية من خلال الحوار والدبلوماسية.
وتُعدّ هذه الاستراتيجية مدخلاً مهماً لفهم ديناميكيات النزاع التركي-الكردي، ولرسم أفق لحلول إقليمية أكثر شمولاً ،فالاتحاد الوطني الكردستاني، منذ تأسيسه عام 1975، ينطلق من رؤية قومية شاملة تعترف بحقوق الشعب الكردي في جميع أجزائه، بما في ذلك كردستان تركيا من حيث دعم مطالبهم بالاعتراف الدستوري بهويتهم القومية، وحقهم في التعليم بلغتهم، وتوسيع مشاركتهم السياسية، غير أن هذا الدعم لا يتعدى الإطار السلمي والسياسي، إذ يرفض الاتحاد الدعوات إلى الانفصال أو استخدام العنف لتحقيق هذه الأهداف مثلما رفض ويرفض استخدام العنف والسلاح ضدهم من قبل الدولة .
في صلب استراتيجيته، يتبنى الاتحاد الوطني الكردستاني نهجاً قائماً على الحل السلمي والديمقراطي للقضية الكردية في تركيا وقد عبر قادة الاتحاد في مناسبات عديدة، عن قناعتهم بأن الحوار بين الدولة التركية وممثلي الشعب الكردي هو السبيل الأمثل لتحقيق السلام الدائم ضمن وطن مشترك ومواطنة حقة، ويرى الاتحاد أن الحرب الطويلة بين الطرفين لم تؤدِ إلا إلى مزيد من الضحايا والدمار، من الضروري اتباع نهج مختلف يُغلب لغة العقل على صوت السلاح.
الوساطة بالدبلوماسية الهادئة
في 1993 وايام الرئيس الراحل تورغوت اوزال ابدى الاتحاد الوطني وعبر شخص الرئيس مام جلال دورا مهما في الحوار التركي-الكردي، وكذلك اثناء عملية السلام التي أُطلقت عام 2013 وسميت بـ”الانفتاح الديمقراطي”.
ومع تمسكه بالدبلوماسية الهادئة، التي لا تسعى إلى الأضواء بقدر ما تهدف إلى تهيئة الظروف المناسبة للحوار ولعب دور “الوسيط الصامت”، خاصة خلال فترات التهدئة أو المفاوضات، حرص الاتحاد الوطني على الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع كل من أنقرة وحزب العمال الكردستاني وبقية الاحزاب الكردية في تركيا، فمن جهة يرفض أن تتحول أراضي إقليم كردستان إلى ساحة صراع بين الحزب والجيش التركي ومن جهة أخرى، يسعى إلى بناء علاقات مستقرة مع تركيا، نظراً لعمق الروابط الاقتصادية والجغرافية بين الجانبين.
كاستراتيجية شاملة لحل القضية الكردية،لا ينظر الاتحاد الوطني إلى القضية الكردية في تركيا بمعزل عن نظيراتها في العراق وسوريا وإيران، بل يسعى إلى الدفع باتجاه رؤية شاملة لحل القضية الكردية على المستوى الإقليمي ويؤمن بأن السلام في تركيا سينعكس إيجاباً على استقرار باقي أجزاء كردستان الكبرى، وأن على الأطراف الدولية والكردية أن تلعب دوراً فاعلاً في دعم هذا التوجه.
تمثل سياسة الاتحاد الوطني الكردستاني حيال القضية الكردية في تركيا مزيجاً من الواقعية السياسية والمبادئ القومية. فهي توازن بين دعم الحقوق المشروعة للكرد في تركيا وبين الحفاظ على مصالح إقليم كردستان وعلاقاته الإقليمية.
ومن خلال التأكيد على الحل السلمي والدور الدبلوماسي، سعى الاتحاد إلى أن يكون جسراً بين الأطراف المتنازعة، في سبيل تحقيق سلام عادل وشامل يخدم الكرد والمنطقة بأسرها لذلك يرى أن حل القضية الكردية في تركيا يتطلب إستراتيجية إقليمية تأخذ في الحسبان الترابط الجغرافي والديمغرافي والسياسي للكرد في العراق، سوريا، إيران وتركيا ويسعى إلى بناء تحالفات سياسية لدعم الحقوق الكردية عبر الوسائل السلمية، بما يعزز استقرار الإقليم ككل.
وعند التمعن في الموقف السياسي من القضية الكردية في تركيا نجد ان الاتحاد الوطني يتبنى اولا موقفاً مؤيداً لحقوق الكرد في تركيا، من حيث الاعتراف بالهوية القومية، وحق التعليم باللغة الكردية، وحرية التعبير والتنظيم ومع ذلك، لا يدعو الاتحاد إلى الانفصال، بل يؤكد على الاندماج في الدولة التركية ضمن إطار ديمقراطي شامل.
ويدعو ثانيا إلى إنهاء النزاع المسلح بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية عبر الحوار والمفاوضات، ويرى أن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً.
توازن حساس
لقد حاول الاتحاد الوطني دوما الحفاظ على توازن معقد في علاقته بحزب العمال الكردستاني من جهة، وتركيا من جهة أخرى، فبينما يتفهم مطالب الحزب الكردستاني التاريخية، إلا أنه يرفض استخدام أراضي إقليم كردستان كمنصة للعمليات العسكرية، ويعارض التدخل التركي المتكرر في أراضي الإقليم.
بالمقابل (ورغم شبه القطيعة المفروضة من جهة واحدة )يرتبط الاتحاد الوطني بعلاقات اقتصادية وأمنية مهمة مع تركيا، وخاصة في ملف التجارة والطاقة ومع ذلك، يرفض الاتحاد الوطني التماهي مع السياسات التركية تجاه القضية الكردية، ويحتفظ بمسافة دبلوماسية تسمح له بلعب دور الوسيط عند الحاجة وقد دفع ثمنا لسياسته هذه من حيث حظر الطيران الى مطار السليمانية الدولي عبر المطارات التركية وسمائها اضافة الى استهدافات المسيرات المتعددة ولكن الاتحاد الوطني ولمعرفته باهمية الثقل الاستراتجي لتركيا كدولة جارة لم تقابل الاجراءات التركية بالمثل بل تمسك بسياساته الدبلوماسية الهادئة وابقت على قنوات الاتصال والتحاور معها .
 كأحد الأحزاب السياسية الكردية الرئيسية على الساحة الكردستانية، يتبنى الاتحاد الوطني منذ تأسيسه سياسة واضحة نسبياً فيما يتعلق بالقضية الكردية في تركيا يمكن تلخيص موقفه ومساعيه واستراتيجيته حيال الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا ضمن ثلاث محاور:
الدعم المبدئي لحقوق الكرد في تركيا بما في ذلك الاعتراف بالهوية القومية الكردية، والتعليم باللغة الكردية، والمشاركة السياسية و يدعو إلى احترام الحقوق المدنية والإنسانية للكرد ضمن إطار الدولة التركية، دون الدعوة إلى الانفصال.
التأكيد على الحل السلمي والديمقراطي من خلال الحوار السياسي، بعيداً عن العنف أو الوسائل العسكرية ومعارضة الحرب كوسيلة لحل هذه القضية .
الوساطة والدبلوماسية الهادئة،حيث  لعب دوراً غير مباشر أحياناً في التوسط أو تسهيل قنوات الاتصال، مستفيداً من علاقاته الإقليمية والدولية، وأحياناً يتخذ موقف الحياد الإيجابي في النزاع التركي-الكردي، حفاظاً على استقرار إقليم كردستان وعلاقاته مع تركيا.
وعلى صعيد العلاقات مع الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني،فالاتحاد الوطني يتعامل مع تركيا كجار استراتيجي، ويؤمن بأهمية العلاقات الاقتصادية والسياسية المستقرة معها ورغم ذلك، لا يتنازل عن دعم الحقوق الكردية، لكنه يحرص على عدم استعداء أنقرة بشكل مباشر،بالمقابل ورغم وجود تقاطعات أيديولوجية وسياسية مع حزب العمال الكردستاني، إلا أن الاتحاد الوطني لا يدعم علناً العمليات المسلحة التي ينفذها الحزب داخل تركيا.
الاتحاد الوطني سعى ويسعى دوما إلى أن يكون جزءاً من عملية سلام إقليمية شاملة تشمل الحقوق الكردية في تركيا وسوريا وإيران والعراق و يؤمن بأن حل القضية الكردية في تركيا سينعكس إيجاباً على عموم المنطقة
لذلك سيبقى حريصا على انجاح عملية السلام، ويدعم جميع الجهود الرامية إلى إنجاح هذا المسعى وكما قال الرئيس بافل : نوجه استراتيجيتنا الوطنية على خطى الرئيس مام جلال الذي كان  أول من بادر لترسيخ عملية السلام، واليوم نواصل جهودنا في سبيل إنجاح هذه الخطوة التاريخية مع ايماننا الراسخ بان السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط هو الحل السلمي للقضية الكردية”.
وما نراه من وجود قناعة لدى الاطراف التركية والكردية بضرورة الركون الى الحل السمي والبرلماني اثبات لصوابية ونجاعة سياسات الاتحاد الوطني حيال القضية الكردية في تركيا.
Read Entire Article