ARTICLE AD BOX
لا يختلف أميركيان في الولايات المتحدة، على أن الحكومة في واشنطن ينخرها الفساد، لكن أن يكون إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، على رأس الفريق الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب، لتوفير تريليون دولار من النفقات الحكومية، وتطهير الإدارات من الموظفين الإضافيين، ومحاربة الفساد، فهذا أمر لم يهضمه الأميركيون كثيراً، وحتى من داخل قاعدة ترامب. ويُغادر ماسك، مالك شركتي تسلا وسبايس إكس وموقع إكس، وزارة الكفاءة الحكومية، بعدما أدارها لأشهر معدودة، بنسبة تأييد شعبي لعمله في حدود الثلاثينات، وقد تكون العلاقة التي نسجها مع ترامب، وتأثيره على الأخير والمال الذي أنفقه لدعمه مرشحاً للرئاسة للمرة الثالثة، أكثر إلهاماً للكتابة، من عمله نفسه الذي لم يدم طويلاً، إلا إذا كان الحديث عمّا تمكّن إيلون ماسك من معرفته من أسرار ومعلومات وبيانات والاطلاع عليه في كواليس فترة عمله القصيرة، لا سيما حين كان يُنظر إليه في البداية على أنه "الرجل القوي" في إدارة ترامب، وصاحب الحظوة لدى الرئيس الذي كان "مستشاره".
إيلون ماسك يودع هيئة الكفاءة الحكومية
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لقطات مصورة لماسك، في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يوم الجمعة الماضي، في حفل "توديعه" كمسؤول هيئة الكفاءة الحكومية التي من مهماتها إدارة وتقليص النفقات الحكومية، على أن يبقى بعد إكماله 130 يوماً من العمل، "صديقاً ومستشاراً" للرئيس و"يعود بين الحين والآخر" للعمل داخل الإدارة، بحسب ترامب ومن دون توضيح. فيما أشار متابعون إلى أن المناسبة كانت لإظهار الوحدة، إذ يعدّ ماسك ثاني مسؤول كبير يُبعده ترامب عن العمل في إدارته بولايته الثانية، بعد مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز.
وحضر ماسك حفل توديعه بعين سوداء ومنتفخة، قال إن ابنه الصغير "إكس" لكمه عليها، فيما أثار الإعلام تكهنات عدة بشأن لائحة "مشتبه فيهم"، ومن بينهم "كل الموظفين الإداريين الذين طردهم"، و"على الأقل سيدتان" من النساء الكثيرات اللواتي له منهن أولاد (المعروف أن له 14 ولداً)، وربما "مؤيدو ترامب الذين يكرهونه"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي. وانضمت فضيحة جديدة إلى لائحة أخبار إيلون ماسك الصاخبة الخاصة، وهي ادعاء شريكة سابقة له، آشلي سانت كلير، أن له أولادا كثرا آخرين حول العالم، وأن الملياردير المتحدر من جنوب أفريقيا، والبالغ من العمر 53 عاماً، يعرض خدماته للنساء اللواتي يرغبن في الإنجاب، حيث بحسب زعمها، فإنه يعتبر ذلك جزءاً من "حبّه لفعل الخير" مع الناس.
أنفق ماسك 250 مليون دولار على حملة ترامب الانتخابية
ومع مغادرة ماسك الإدارة الجمهورية، بعدما أنفق 250 مليون دولار على حملة ترامب الانتخابية، فإن ذلك لم يشفع له حتى لدى محبي الرئيس، لا سيما مع توالي التقارير التي تتحدث عن سلوكه الغريب، وإدمانه المخدرات. وكذّب ماسك نفسه، خلال اليومين الماضيين، تقريراً نشرته "نيويورك تايمز"، تحدث عن إدمانه حبوب الكيتامين المخدرة، قائلاً إنه جرّبها بوصفة طبية قبل سنوات، مقرّاً بأن هذه الحبوب "تساعد على الخروج من أزمات نفسية خانقة"، لكنه لم يعد يتناولها. لكن بحسب مصادر الصحيفة، فإنه يتناول أيضاً الفطر المهلوس ومنشطات "إكستازي"، واعترف لمقرّبين منه بأنها باتت تضرّ بصحته، وقد أظهر "سلوكاً غير منتظم، وأهان موظفين، ورفع التحية النازية"، خلال فترة عمله، فيما يتصف مزاجه بأنه "متقلب"، وفق "نيويورك تايمز". وقد غادر ماسك الإدارة، بتأييد شعبي منخفض، وكان آخر استطلاع نشر في أواخر إبريل الماضي وأجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة آب بي سي وشركة إيبسوس، أظهر أن 35% فقط من الأميركيين يؤيدون عمله الحكومي.
توترات متلاحقة مع ترامب
وربما لكل الأثرياء في العالم، ومن بينهم الأكثر ثراء، حياة شخصية صاخبة ومليئة بالمشاكل والتعقيدات. لكن بعيداً عن ذلك، والذي كان تحت مجهر الإعلام منذ ما قبل دخوله المعترك السياسي، فإن علاقة ترامب بماسك، وُصفت كثيراً بأنها نابعة من "تبادل مصالح"، فمالك "إكس" الذي ساهم مالياً إلى حدّ كبير في دعم ترامب ومرشحين جمهوريين آخرين العام الماضي، حصل من ترامب على مكافأته، بإدخاله من الباب العريض إلى الإدارة الجمهورية، لا سيما أنه تمكن من إقناع الرئيس بقدرته على تقليص النفقات الحكومية بأكثر من تريليون دولار، وهو ما لم تثبت صحته، ما جعل ترامب يشكّك أخيراً في القدرة على ذلك، بحسب ما استفهم من مقربين منه، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، يوم الجمعة الماضي. ووصفت الصحيفة العلاقة بين الرجلين بـ"المعقدة"، وذكرت أن ترامب والمقربين منه شعروا أخيراً بالإحباط من وجود إيلون ماسك داخل الإدارة، والمناوشات التي أحدثها مع وزراء داخل اجتماعات الحكومة، فضلاً عن تعطّل حملة "التطهير" جرّاء صدّ المحاكم إجراءاتها والبطء الناجم عن طبيعة العمل البيروقراطي في واشنطن. ولكن بحسب الصحيفة، فإن خلافات أعمق، دفعت ماسك لاتخاذ قرار مغادرة هيئة الكفاءة الحكومية، وتتعلّق بسياسة ترامب، ومصالح مالك "سبايس إكس" الاستثمارية العملاقة، علماً أن المغادرة أعلن عنها في تغريدة على "إكس". لكن القرار كان اتخذ في البيت الأبيض.
وكان ماسك أكد لـ"واشنطن بوست"، الأسبوع الماضي، أن "وضع البيروقراطية الأميركية أسوأ مما كنت أظن". لكن مشروع قانون الضرائب الذي مرّره مجلس النواب الأميركي أخيراً، بضغط من ترامب، قد يكون النقطة التي أفاضت كأس التوتر بين الرجلين، إذ يعتبر ماسك أن المشروع مكلف للغاية، ولن يساعد على خططه لخفض النفقات. فضلاً عن ذلك، فإن ماسك دفع من أجل "صفر تعرفات جمركية" بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
حاول ماسك عرقلة صفقة تقودها "أوبن إيه آي" في أبوظبي
وبحسب الإعلام الأميركي أيضاً، فإن ماسك حاول أخيراً عرقلة صفقة تقودها شركة "أوبن إيه آي" لبناء واحد من أكبر مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي في العالم في أبوظبي، وذلك في محاولة منه لتضمين شركة ناشئة له (إكس إيه آي) في المشروع. ولم يخف ماسك غضبه حين علم بمرافقة الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي"، سام ألتمان، لترامب خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط، في شهر مايو الماضي. وسحب ترامب أخيراً تسمية الملياردير جاريد إيزاكمان لقيادة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا". وإيزاكمان، هو شريك لإيلون ماسك، وكان اشترى سلسلة رحلات فضائية من "سبايس إكس"، والتي لها عقود عمل كثيرة مع "ناسا".
وكان الإعلام الأميركي خلال الأشهر القليلة الماضية، قد طرح أيضاً أسئلة عدة، حول علاقة إيلون ماسك التجارية والاستثمارية مع الصين، وما إذا كان ذلك قد يعدّ ضمن ما يعرف بـ"تضارب المصالح"، أو مضراً للأمن القومي الأميركي. وتعدّ الصين سوقاً مهمة لشركة ماسك الأخرى، "تسلا" للسيارات الكهربائية، وقد يفسّر ذلك بعض أسباب قلّة شعبيته لدى بعض من قاعدة ترامب، التي تنظر أيديولوجياً إلى الصين، كعدوة اقتصادية للولايات المتحدة، والتي تسرق منها الوظائف والفرص والصناعات. أما ماسك، فيعتبر ضمن هذه الدائرة "مدافعاً عن الصين"، والتي جنّبها لسانه السليط، وتعليقاته السياسية، ودعمه لمرشحين وسياسيين، خصوصاً في القارة الأوروبية، حيث دافع عن اليمين المتطرف ومرشحيه الانتخابيين تحت شعار أنه "مناصر دائم لحرّية التعبير".
وبعد مغادرته العمل الإداري، لن يكون إرث إيلون ماسك كبيراً، لكنه العلامة الفارقة، التي قد يكون تركها، هي تمكنه من فرض اقتطاعات كبيرة على المساعدات الأميركية الخارجية، ودوره في تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية (يو أس إيد)، والتي سرّح منها آلاف الموظفين المحليين والدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية المُكلفين بالعمل في الخارج، فضلاً عن محاربته دولته الأم، جنوب أفريقيا، التي أوقف ترامب عنها المساعدات، ومنها المخصصة لمكافحة مرض الـ"إيدز"، حيث اتهمها بتحريض من ماسك، بالعدوانية تجاه "المواطنين البيض".
