أوجاع غزة... نصف مرضى الكلى فقدوا حياتهم

12 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

ضاعف العدوان الإسرائيلي المتواصل أوجاع آلاف من مرضى الكلى في قطاع غزة، وأدت ظروف وعوامل متزامنة إلى زيادة أعداد الوفيات بينهم، على رأسها عدم توفر سبل الرعاية الطبية.

يتعرض مرضى الكلى في قطاع غزة منذ أكثر من 20 شهراً إلى أشكال مختلفة من المعاناة، تشمل نقص جلسات غسل الكلى، ونفاد الأدوية، وانعدام الرعاية الصحية، بالتزامن مع تفشي الجوع، وصعوبة التنقل الذي يضطر معظمهم لقطاع مسافات طويلة مشياً على الأقدام للوصول إلى المراكز الصحية العاملة التي تعاني من ضغط كبير ناتج عن تلف أو تدمير معدات غسيل الكلى مع عدم كفاية المعدات المتاحة لأعداد المرضى.
ويبلغ عدد أجهزة غسيل الكلى في كامل قطاع غزة حالياً 93 جهازاً، تتوزع على مجمع ناصر في خانيونس (جنوب)، ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح (وسط)، ومستشفى الشفاء ومستشفى الرنتيسي في مدينة غزة وشمالي القطاع، وذلك من أصل 178 جهازاً كانت متوفرة قبل العدوان، وتعرض عدد كبير منها للتدمير.
ووفق دائرة نظم المعلومات بوزارة الصحة في غزة، فإن أكثر من 41% من مرضى الكلى فقدوا حياتهم خلال أشهر العدوان، فبعد أن كانت أعدادهم قبل العدوان تبلغ 1100 مريض كلى، تقلصت الأعداد إلى 650 مريضاً نتيجة الوفيات التي يخلفها غياب العلاج وإغلاق المعابر.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تدهورت حالة مريضة الكلى هناء فتحي لوز (37 سنة)، وهي من سكان مخيم النصيرات (وسط)، فنقلتها أسرتها إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وأجريت لها جلسة غسيل طارئة، ما أدى إلى انتظام ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر. لكن عادت حالتها للتدهور من جديد، ولم تمضِ ساعات حتى توفيت.

انقطع عدد كبير من مرضى الكلى في غزة عن جلسات الغسيل بفعل النزوح

تقول شقيقة زوجها أم عبد الله الكيلاني لـ العربي الجديد": "قبل وفاتها بيوم لم تكن تستطع الأكل، ولا الوقوف على قدميها، وتزامن ذلك مع تقيؤ مستمر، ولم تكن الأدوية اللازمة متوفرة. عاشت ظروفاً صعبة، وكانت المواصلات مقطوعة، وحين تمكنا من نقلها إلى المستشفى، احتجزت لمدة شهر، وطلبوا عدم اصطحاب مرافق، ثم طلبوا منها لاحقاً المغادرة بسبب تكدس المرضى، وكان من الصعب عليها أن تذهب للبيت ثم تعود إلى المستشفى لغسل الكلى".
تضيف: "غسيل الكلى كان ثلاث مرات في الأسبوع، ثم جعلوه مرتين بسبب كثرة عدد الحالات، وفي مرة احتاج الأطباء تحاليلاً وأنبوبة لازمة للغسيل، ولم تكن موجودة في مستشفى شهداء الأقصى، وعلى إثر ذلك جرى تحويلها إلى مستشفى ناصر بمدينة خانيونس، وكانت معاناة التنقل صعبة، والطريق طويلة ذهاباً وعودة. قبل الوفاة، أصيبت بتلوث في الدم نتيجة قلة مرات الغسيل، فحاولت إجراء تحويلة علاجية سريعة للعلاج بالخارج، لكن إغلاق المعابر حال دون تمكنها من السفر. كان إنقاذ حياتها ممكناً، لكن العلاج لم يكن متوفراً في غزة، ما أدى إلى وفاتها".
في داخل ثلاث صالات بقسم الكلى بمجمع الشفاء الطبي، كان نحو ثلاثين مريضاً يتوزعون على أجهزة الغسيل. جاء معظمهم من أماكن بعيدة مشياً على الأقدام، ويظهر هذا على ملامحهم المتعبة. يجلس كل منهم على مقعد طبي بجانب الجهاز، وتشير اللوحات إلى عدد الساعات المحدد بثلاث ساعات غسيل رغم أن المعدل الطبيعي يفترض أن يكون أربعة ساعات. لم تعد الجلسة مجرد معالجة للدم، بقدر انشغال كل واحد فيهم بهمومه المعيشية في ظل اشتداد المجاعة والنزوح والقصف المستمر واستشهاد ذويهم.

قبل جلسة الغسيل، حصلت سلوى عاشور (59 سنة) على حقنة لعلاج التسمم بعد دخول مسمار في قدمها خلال توجهها إلى المستشفى، ما أدى إلى تورمها. تجلس بوجه مصفر وجسد نحيف نتيجة سوء التغذية، وتقول بصوت متعب وملامح مرهقة لـ "العربي الجديد": "صحتي تتدهور، وقدومي إلى هنا رحلة معاناة بسبب غلاء المواصلات وعدم توفر وسائل نقل مناسبة، وأحياناً أقطع نصف المسافة مشياً، وبسبب التعب أحضرني زوجي هذه المرة على كرسي متحرك. بت لا أستطيع المشي، ولم أعد أتحمل إجراء جلسات الغسيل مرتين في الأسبوع، ولا آتي إلى المستشفى إلا عند تدهور حالتي، رغم أن طبيب الكلى قرر خضوعي لثلاث جلسات أسبوعياً".
تجلس المسنة مريم اللدعة (65 سنة) داخل صالة غسل الكلى بمجمع الشفاء، ويظهر التعب واضحاً على وجهها، وبالكاد تستطيع الحديث. يقول ابنها الذي يرافقها: "نواجه صعوبة في نقلها إلى المستشفى، وكنا قبل الحرب نحضر سيارة خاصة تنقلها إلى المستشفى وتعيدها إلى البيت بعد انتهاء الجلسة. اليوم نقطع معظم المسافة مشياً، وأقوم بنقلها على كرسي متحرك، وفي كثير من الأحيان أضطر إلى حملها".
بدوره، يشتكي المريض مازن صيام (53 سنة) من غياب أدوية الكالسيوم، ويحكي لـ "العربي الجديد" أثناء جلسة الغسيل: "كان وزني قبل الحرب 115 كيلوغراماً، والآن لا يتجاوز 72 كيلوغرام. يفترض أن أتناول ست حبات كالسيوم يومياً، لكني بصعوبة أستطيع إيجاد حبة دواء واحدة، ولا يوجد طعام صحي لتعويض نقص الكالسيوم، ما يؤثر على هشاشة العظام وضعف بنية الجسد، ما يؤدي إلى حدوث تشنجات بالأطراف".
ورغم تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي معظم أبنية مجمع الشفاء الطبي، إلا أن الدمار لم يطل مبنى الكُلى، ورغم ارتياح المرضى لإجراء الجلسات داخل القسم الذي اعتادوا القدوم إليه منذ سنوات، يلفت مازن صيام إلى أن "جلسة الغسيل تزيد الأوجاع، فمن نافذة القسم أرى الأبنية المحترقة، وساحة المستشفى المدمرة، ما يعيد إلى ذهني المشاهد التي عشتها خلال اقتحام جيش الاحتلال للمستشفى، وكذلك فقدي لزوجتي، وفقد ابنتي وأولادها، وشقيقي وأولاده، وكذلك فقد بيته".

وإلى جانب غياب الدواء وارتفاع كلفة المواصلات ينعدم الغذاء وتشتد المجاعة. تقول سعدة جابر (40 سنة): "كمرضى ليس لدينا القدرة على تحمل تبعات الحرب، فطوال الوقت أرقد على سريري، ولا أستطيع المشي، ولا يوجد غذاء مفيد كاللحوم أو الألبان أو الأجبان، والخضروات متوفرة بكميات قليلة، وأسعارها باهظة، بينما نحتاج إلى تناول الخضراوات، وأنواع من الفواكه، لكنها غير متوفرة، ولا يمكننا تناول طعام المعلبات بسبب احتوائه على البوتاسيوم، لكن كثيرين مضطرون إلى تناوله لغياب البدائل في ظل اشتداد التجويع".
وكحال كثيرين خلال فترة الحرب، انقطعت سعدة جابر عن جلسات الغسيل بفعل النزوح، واقتحام مستشفى الشفاء، وانتقلت مع غيرها من المرضى إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح خلال الشهور الأولى من الحرب، والتي كانت فترة صعبة بفعل قلة الأجهزة، الأمر الذي كان يجعلهم تنتظر لساعات طويلة للحصول على جلسة غسيل من أصل جلستين كانت تحصل عليهما أسبوعياً.
ويتكرر مبيت الكثير من مرضى الكلى بالمستشفيات، ويقول محمد شعبان (31 سنة): "هناك تراجع كبير في حالتي الصحية، ولا يمر أسبوع إلا ويقرر لي الأطباء المبيت بالمستشفى بسبب الحاجة إلى العلاج، وخلال هذه الفترة فقدت 15 كيلوغرام من وزني".
من جانبه، يقول الحكيم بقسم الكلى بمجمع الشفاء الطبي، عرفات النعسان،  لـ "العربي الجديد"، إن "مرضى الكلى يعتمدون على ثلاث فترات غسيل أسبوعياً تستغرق كل جلسة أربعة ساعات، لكن خلال الحرب خفضت المستشفى عدد جلسات الغسيل إلى مرتين أسبوعياً بواقع ثلاثة ساعات في كل مرة نتيجة قلة الأجهزة والإمكانيات. كان مجمع الشفاء يمتلك 52 جهاز غسيل كلى، وتقلص العدد بفعل تدمير نحو 20 جهازاً منها، والأجهزة المتبقية مهترئة بسبب كثرة الاستعمال، وتتعطل بشكل متكرر، بينما يضم القسم 250 مريض كلى".

ويوضح النعسان: "هناك عدة مشاكل تواجه عمل قسم الكلى، من بينها شح الإمكانيات والأدوات اللازمة لجلسة الغسيل، وشح الأدوية، ما يضطرنا إلى تخفيض ساعات وعدد مرات الغسيل، ونعاني نقصاً في هرمون إرثيوبروتين، والذي يساعد على تحفيز انتاج الدم من النخاع العظمي، والذي يفترض إعطائه للمريض خلال كل جلسة غسيل، وبسبب نقص الهرمون يتم إعطاء المريض حقنة واحدة أسبوعياً، بينما أجسام مرضى الكلى لا تنتج هذا الهرمون، وهو باهظ الثمن".
ويشير إلى أن "أسباب حالات الوفاة متعددة، فالمرضى لا يحصلون على عدد كاف من ساعات الغسيل، ما يؤثر على تراكم السموم بأجسادهم على المدى الطويل، وبالتالي هم معرضون للوفاة، أو فشل أعضاء الجسم. يوجد عجز كبير يجعلنا نقوم بتوزيع المرضى على أربعة فترات في اليوم، ويوجد عجز في أدوية الكالسيوم الضرورية، مع تهالك الأجهزة التي يعمل بعضها منذ 15 سنة متواصلة".

Read Entire Article