أحلام فلسطينية في سماء استوكهولم

2 weeks ago 4
ARTICLE AD BOX

على الصعيد الثقافي، يصعب حصر تجليات التضامن السويدي مع القضية الفلسطينية، غير أن مواقف عدد من المثقفين والفنانين والأكاديميين تعكس هذا الانحياز الإنساني بوضوح، أبرزها مشاركة الكاتب الشهير هيننغ مانكل في "أسطول الحرية" لكسر حصار غزة عام 2010. 

ضمن هذا السياق، يمكن فهم الفعاليات التي احتضنها مسرح "تريبونالين" في استوكهولم بالتعاون مع فرقة "موريا" الفلسطينية، ضمن مهرجان "أحلام في السماء"، الذي استمرت نشاطاته بين السادس عشر والثامن عشر من الشهر الجاري، وجمع بين الفن والثقافة والسياسة، وضمّ محاضرة للكاتب يوهانس أنيورو تناولت مضمون دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

العرض الافتتاحي، الذي حمل عنوان "حقيبة سفر"، جاء نصاً وسينوغرافيا للفنانة هبة قطناني، من إخراج وتصميم حركي لشادي دياب. استند العمل إلى شهادات شخصية لممثلين جسّدوا، من خلال قصص عائلاتهم، صورة بانورامية للتاريخ الفلسطيني الحديث، بدءاً من النكبة والنكسة، مروراً بالانتفاضتين، وصولاً إلى الحاضر الكارثي الذي تجسّده كلمة واحدة: غزة، بكل ما تحمله من معاني الموت والدمار منذ 7 أكتوبر 2023. وشارك في التمثيل كل من: أوسا هاماربوري، غزل أبو لبدة، فرح الحاج، شادي دياب، هبة قطناني، ورؤى أبوراس.

أما العرض الختامي، فكان بعنوان "أحلام في السماء"، وهو عرض غنائي راقص قدّمه أربعة عشر طفلاً تراوح أعمارهم بين 7 و14 عاماً. عبّر هؤلاء الأطفال عن معاناتهم وأحلامهم، وسط واقع عنيف فرضته ظروف النزوح والحرب، مجسّدين عبر الأداء الفني مزيجاً مؤثراً من الألم والأمل. العرض الذي أُنجز من الأطفال ولأجلهم، أخرجه شادي دياب، وكتبت نصه هبة قطناني، وبرز كختام رمزي للفعالية التي مزجت بين الفن والوجع والكرامة.

برزت فقرة "نزوح دائم" لتكسر النسق الفني الغالب على البرنامج، وتقدّم بعداً إنسانياً حادّاً عبر شهادات حية من لاجئين فلسطينيين يعيشان حالياً في السويد.

تحدّث كل من حمودي جمال وجيرو عن تجربتهما الشخصية، ليس فقط بوصفهما لاجئين في أوروبا، بل نازحين سابقين في مخيمات طولكرم بالضفة الغربية، ما يضيء على واقع اللجوء المزدوج والمنفى المتكرر الذي يطبع حياة الكثير من الفلسطينيين. وقد سلّطت شهادتاهما الضوء على واقع التهجير القسري في الضفة، ولا سيما في جنين وطولكرم، حيث تستهدف قوات الاحتلال البنى التحتية بشكل ممنهج – من كهرباء ومياه – في سياق سياسة تطهير ديمغرافي موازية لما يجري في غزة من دمار شامل.

تضمن عرضاً مسرحياً بعنوان "أصوات الألم" عن رواية لغسان كنفاني

وفي التفاتة تجمع الفن بالاحتجاج السياسي، شكّل العرض الغنائي "فلسطينفيجن" مفاجأة للجمهور، إذ أقيم كفعل احتجاجي على مشاركة إسرائيل في مسابقة "يوروفيجن" رغم الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين، كما ورد في بيان العرض. 

يُذكر أن "فلسطينفيجن" أُطلق للمرة الأولى العام الماضي في مدينة مالمو السويدية، تزامناً مع استضافة "يوروفيجن"، ومنذ ذلك الحين تحوّل إلى منصة فنية مقاومة، تُعبّر عن فلسطين بالصوت والصورة، وتعيد الاعتبار للثقافة باعتبارها أداة مواجهة.

لا يكتمل الحديث عن الحراك الفلسطيني في السويد دون التوقّف عند تجربة الأخوين محمد وشادي دياب وفرقتهما المسرحية والفنية "موريا"، التي انطلقت قبل أكثر من عقد من الزمن في مخيم اليرموك بسورية، قبل أن تُستأنف لاحقاً في السويد بعد وصولهما إليها عام 2014.

ورغم الصعوبات التي واجهتهما في بداية التأسيس الجديد، والتي وصلت إلى حدّ الإحباط، بحسب ما صرّح به محمد دياب في مقابلة منشورة، فإن "موريا" تحوّلت تدريجياً إلى ما يشبه المؤسسة الفنية المتكاملة، تضمّ فنانين وموسيقيين ومغنين وممثّلين ومدرّبي مسرح، إلى جانب تقنيي صوت وإضاءة.

هذا الشغف الإبداعي تَرجَم نفسه في مختلف أنشطة الفرقة، ومنها ورشة الدبكة الفلسطينية التي خُصصت للأطفال واليافعين ضمن فعاليات الأيام الثقافية، حيث قُدِّمَت الدبكة بكونها عنصراً حيوياً من الفولكلور الفلسطيني ووسيلة للتعبير الثقافي الجماعي.

واختُتمت أيام المهرجان بعرض مسرحي حمل عنوان "أصوات الألم"، مأخوذ عن رواية "عائد إلى حيفا" للكاتب غسان كنفاني، وأخرجه الأخوان دياب. وقد تميّز العرض باستخدام تسجيلات صوتية حقيقية من غزة، لتجسيد الألم اليومي والمعاناة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون. عالج العمل موضوع النفي، والذاكرة، والهوية، مسلطاً الضوء على كفاح شعب بأكمله في سبيل حريته، وما يرافق ذلك من آلام لم تنقطع عبر الأجيال.

Read Entire Article